تولاّك الله بحفظه و أعانك على شكره ووفقك لطاعته و جعلك من الفائزين برحمته .
إنّ ما حقّقه الإنسان اليوم من تطور جعلنا نحلم بفكرة القضاء على الفقر في العالم بشكل نهائي إلا أنّ العكس يحدث ففي كل سنة ينضاف إلى تعداد الفقراى حوالي 1.7 مليون فقير و يعود هذا الإرتفاع إلى سوء توزيع الثروات خاصّة البلدان التي يسودها الفساد في الحكم فطبقا لدراسة علميّة أجريت حديثا كوكبنا ينتج كميات كافية من الغذاء لإطعام ضعف عدد سكانه , و السؤال الذي يطرح نفسه هو أين يذهب النصف الآخر من الغذاء أمّا الإجابة فتكمن عند المترفين الذين يتناولون الطعام أضعافا مضاعفة فوق حاجتهم و يقول الرسول صلى الله عليه و سلم :﴿ لَيْسَ مِنَّا مَنْ بَاتَ شَبْعَان وَ جَارُه إلى جَانِبِه جَائِع ﴾ .
و أنا أقصد بكلامي رجال الأعمال و ذوي المناصب العليا و كل من نصبوا للمواسات هؤلاء الذين يعيشون في ترف و بحبوحة و لا يفصل بينهم و بين سكان القرن الإفريقي الأكثر جوعا في العالم سوى بعض الكيلومترات , فهؤلاء القوم يصبّون كل جهودهم من أجل المرزئة فقد وصل بهم البخل إلى رفضهم إدخال الاّجئين السوريين فأنا أرى أنّ ما يحتاجونه هو قراءة كتاب البخلاء للجاحظ لعلّهم يتعلمون التحلّي ببعض الكرم و يعودون إلى الدّين الإسلامي الصحيح و بالطبع فأنا لا أتّهم كافة الناس بل أوجّه أصابع الإتهام خاصّة لمن لم يواسوا الفقراء بأموالهم فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم في أحد أحاديثه قائلا :﴿ مَنْ أَصْبَحَ لاَ يَهتَمُّ بِأمُورِ المُسْلِمينْ فَليْسَ بِمُسْلِم ﴾ . فهم يأكلون أطيب أكل فتكاد لا ترى الطرف الآخر من المائدة من كثر طولها و الطعام الذي فيها . فالأروبيّون كانوا أشدّ رحمة على المسلمين من المسلمين أنفسهم و هذا أشد غرابة من أي شيئ رأيته أو سمعت به في حياتي , فيقول سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم :﴿ المُسْلِمُ للمُسْلِمِ كَالبُنْيَانِ المَرْصُون ﴾ .فنرى العديد من الناس يقولون بأن لكل إنسان قدره فإذا جاء فقيرا عليه أن يكون راضيا بحاله و إذا جاء غنيا فهذه رحمة من عند الله , إذن فالفقير عليه أن يبقى فقيرا و هذا خطأ , فلماذا جعل الله زكاة الفطر و لماذا أمرنا بمساعدة الفقراء , فالسبب الأساسي للفقر هو الإنسان فاللّه ترك على الأرض نِعمًا كافية و زيادة فكيف يقولون أنّ نِعم الله لا تكفينا فهي لا تكفي بطونهم الكبيرة وحدها .
إنّ إخواننا يتعذبون في سوريا و العراق و في عديد الأماكن من الكرة الأرضيّة و يموتون كل يوم جرّاء الجوع و الجميع يقفون و يشاهدون و كأنّهم غير معنيّين بهذه القضية بل إنهم يزيدون الطين بلة فيغلقون الحدود في وجه اللاّجئين و يمنعونهم من الدّخول و هذا من شيم "فساد البخلاء" فلعلّ بخلاء الجاحظ كانوا أكثر رحمة و لهذا كان يطلق عليهم "طيّاب البخلاء" .