يعاني عالمنا العربي اليوم من صراعات سياسية- اجتماعية حادة ، و عنيفة ، و في السياسة - غالبا - لا أخلاق ، فلتزهق الأرواح ، و لتفتت المجتمعات و الأوطان ، اذا كان هذا هو السبيل لتحقيق مصالح هذه الدولة أو تلك الجماعه .
و من الأسلحة الخطيرة المستخدمة سلاح الطائفية ؛ اذ يتم تبرير الحروب القذرة بأن هذه الطائفة تريد ان تفتك بتلك ... الخ .
و الطائفية خطيرة جدا ؛ فهي تدمر الأوطان ، فلا قيمة للوطن إذا تعارضت مصلحته مع مصلحة الطائفة ...
و في تاريخنا - وتاريخ غيرنا - شواهد كثيرة على الآثار المدمرة للطائفية ، من الأمثلة الحديثة : المواجهات الطائفية الدموية التي اندلعت في (جبل لبنان) سنة ١٨٦٠ ... هذه المذابح ، و تطورات الأحداث في مشرقنا ، و دروس التاريخ ، دفعت الكثير من الباحثين الى دراسة الطائفية ، من هؤلاء المفكر اللبناني ( ناصيف نصار ) ، صاحب الأبحاث الفلسفية الفكرية المتميزة .
يقول( عبد الااله بلقزيز )أن نصار كتب بحثا متميزا عن ( الأيديولوجيات و العقائديات ) ميز فيه بين الطائفية ( الطائفة ) و الدين . و يفهم من نقول بلقزيز و تعقيباته التالي :
ان ظروفا تاريخية سياسية و اجتماعية ، تدفع جماعة ما الى التعصب على أساس ديني ، و يصبح الدين محركا لنشاط هذه الجماعة السياسي و الاجتماعي، لنيل مكاسب اجتماعية و سياسية خاصة بهذه الجماعة ، اذن أصبح الدين أداة ، و توقف عن كونه ايمانا ما ورائيا مطلقا ، أصبح الدين إيديولوجيا ...
و هاكم أفكار نصار ، نقلا عن بلقزيز :
( يتعلق الدين بالإيمان بالمطلق الكلي الذي يقع خارج المجال الاجتماعي و الإنساني ؛ أما الطائفة و الطائفية ، فتحيلان الى جماعة اجتماعية و تاريخية ، أو الى عصبية .
لكن هذا التمييز لا يغلق المسألة عند نصار ، بل يفتحها . ذلك أن هذه الجماعة أو العصبية ( = الطائفية) تلتحم ،أي تتكون كجماعة و عصبية ( طائفة ) بالفكرة الدينية ، تماما كما تلتحم الجماعة القبلية بعصبية النسب في النظرية الخلدونية .
يتأرخن الدين هنا ، و يتحول الى إيديولوجيا ، أي الى عقيدة إجتماعية تؤدي وظائف في تكوين الجماعة ، و في تحديد نظام إشتغالها FOnctionnement كجماعة متميزة و متمايزة ... ...
و بهذا المعنى نفهم لماذا تتحدد الطائفة و الطائفية بوصفهما (( وسيطين بين الدين بمعناه الماورائي ، و الدين بتجسده الإجتماعي التاريخي )) ) . انتهى .
ملاحظات :
نقلنا النص على طوله لأهميته ، و لأهمية موضوعه ، و للتعريف بالباحثين ، نصار و بلقزيز.
و لنفس الأغراض ،و للتوسع ، و للتوثيق ، نثبت أيضا مرجعنا : عبد الإله بلقزيز ، العرب و الحداثة ٢ : من النهضة الى الحداثة، مركز دراسات الوحدة العربية ، نقلا عن : ناصيف نصار ، الفلسفة في معركة الإيديولوجية : أطروحات في تحليل الإيديولوجية و تحرير الفلسفة من هيمنتها ، بيروت ، دار الطليعة ، ١٩٨٠.