من الغرابة لوهلة أن  يتحول أحدهم في المخيال الشعبي من الجاني إلى المجني عليه ؛  يتعاطف معه الناس ويدعمونه ويحاولون تجنيبه العقاب الذي يستحقه جراء جريمته التي اقترفها ؛ وحتى حين يوقع عليه العقاب تشعر بأن الناس في حالة حزن وكأنه بريء براءة الذئب من دم يوسف .

بل قد يحدث انقلاب غريب كما في متلازمة ستوكهولم أن تتغير بوصلة كره المظلوم للظالم إلى حبه والتعاطف معه ؛ الطريف أن في حادثة ستوكهولم دافع الستة الذين احتجزوا في البنك عن العصابة حتى أن أحدهم تزوج بإحدى المحتجزات بعد خروجه من السجن !

على شكل مجتمعات نجد أن استخدام مظلومية اليهود في محرقة الهلوكوست في التبرير والحجب عن  الجرائم التي يفعلونها في فلسطين الحرة على مسمع ومرأى العالم ،  فالصهيونيون جماعة مجرمة حتى النخاع لكنهم يجدون التعاطف والدعم في العالم من الحكومات والمنظمات والتغاضي عن جرائمهم .

يجد القاتل اليوم كل التعاطف وتبرز قصصهم في صفحات التواصل الإجتماعي ودعوات للمساهمة في إكمال مبلغ الدية الكبير حتى تشعر بأن القاتل انسان تقع عليه مظلمة كبيرة لابد أن نتشارك لرفعها عنه ؛ ويظهر في صور يقبل رأس أمه أو اطفاله لإستدرار العواطف .

نعم ؛  ما يمر به القاتل لحظة عصيبة تستحق التعاطف والسعي للصلح وطلب العفو عنه من أولياء الدم لكن لا يصل التعاطف لمستوى يضعه وكأنه مظلوم لم يقترف ذنبا .

أما أولياء الدم فهم يخرجون بأعجوبة من حالة الحزن على فقيدهم ، ومن مشاعر الغضب والمطالبة بالدم ويدخلون في حالة مساومة قذرة على حفنة من  المال قد أشبهها  بعصابة خاطفة لأحدهم وتطلب مال مقابل إطلاق سراحه ، الحالة التي يدخلون فيها حالة أنانية مفرطة ولعبة يخرج منها المقتول من النافذة  خارج القصة تماما ؛ ولو استحضروه لما وصلوا إلى مساومة اقل ما يقال عنها قذرة .

قارىء كلماتي السابقة سيقول من أنت حتى تقول عن الدية بأنها لعبة قذرة وهي من جاءت بها الشريعة ؛ نعم الدية جاءت بها الشريعة لكننا لم نفهم الحكمة منها ، الدية ليست مقابل الروح التي أزهقت بغير حق أبدا ؛ ليست إلا حفنة مال لن تعوض الطفل حضن أبيه المقتول أو فرحة أم وهو يقبل رأسها ولا زوجة  ادخرته حصن واقي من نوازل الزمان ، شرعت الدية بمقدار محدد حتى تكون معين لتلك العائلة التي فقدت معيلها ؛ وحتى لا تتحول من عائلة كفاف  إلى عائلة تنام في العراء تتوسل حتى شربة ماء ؛ ومن اعتقد لوهلة أن مال قارون سيعوض فقد الأخ الذي لعبت معه من الصبا أو الأبن الذي دافعت دمعاتك حين سماعك خبر ولادته فأنت لا تصنف ضمن دائرة الإنسان والإنسانية .

إن حالة أن تفقد حبيبا بالقتل  لهو فاجعة الزمان وغضبه بعكس أن يتوفاه الله بسبب آخر  ؛ و فكرة المطالبة بالدم والغضب هي الفكرة الطبيعية التي تسكن رأس أولياء الدم لحضتها أو العفو لما فيه خير وأجر في الدنيا والآخرة ؛ الفكرة الثالثة وهي المساومة وطلب الثراء ما هي إلا فكرة شاذة لا تتقبلها الأنفس السوية .

أخيرا ؛ لو بعث الله قريبك المقتول أيا كان إبنا أو أبا وأنت تنعم بالثروات وقال لك هل استغليت دمي لتكون ثريا ؟ ماذا سيكون الجواب !