بات الحديث عن المرأة أعلى وعيا حين يناقش الجوانب الصحية لحياتها: الأمراض، الحمل، مراحل العمر البيولوجي، ومشاكل الأنوثة بصورة كلية. لقد اقتنعنا، أو ربما أقنعنا التدهور في إحيائية الأنوثة، إلى ضرورة التخلي عن الوهم المطرد بأن المرأة بخير دوما، إلى نعترف بأن الكيان الذي استودع الله بقاء الخليقة به وفيه، قد بات يئن لا بصمت، بل بدماء أحيانا.
ومع كل دورة استشفائية تخوض المرأة صراعها الخفي للتأقلم مع التدهور السلبي أو الإيجابي لطبيعتها. إذ كل مصاب صحي -ولو كان شرا في ظاهره- إلا أنه يحمل لونا من الخير لاكتشاف مظاهر قوة الوجود الأنثوي وحيلته الخالدة في استحداث الحياة دوريا. وما تعيشه المرأة من تبعات نفسية خلال العلاج، أو بعد الاستشفاء، لم يرق إلى حيز العناية الإكلينيكية المتبعة في النظام الصحي الحالي. ذلك أن الجسد الأثيري الهش للأنوثة يختزن ذكريات كل معضلة جسدية لا على أصلها، بل بما زيد عليها من حكايات تحبك أشدها الأفكار والمشاعر بدعم من خيال المرأة المفردة.
نحن -النساء- لا نتألم بأجسادنا وحدها، فالخبايا المتوارثة في العرق الأنثوي تستحضر أول ألم لأول أنثى، ثم تعيش كل معاناة مستنسخة عن نساء الحياة. "لقد أصبت بكذا لأني أمي تألمت في زواجها غير الناجح! لقد مرضت لأن جدتي لم تتمكن من نيل كامل حريتها! لقد علمت دوما أن قدري هو الشقاء لأن حواء قسيمة آدم في شقوة العيش!" ولعل الأطروحات من قبيل: بأن الألم يتوارث، والمعاناة تتجسد في الحمض النووي، وأن آخر إصابة مرضية هي نتاج أول دمعة أنثوية في السلالة، هذه الأطروحات التي تقول بها الثقافات البدائية ثم أيدها المنادون بالمعالجة الروحية، تجد برهانها في عقل المرأة التي تتساءل كيف أصيبت فجأة بكل هذا الاعتلال في تشكيلات المرأة لديها.
المرأة تعشق الكلمة! فكما أنها تحب بالكلمة، وتغضب بالكلمة، وتعطي بالكلمة، وتريد أن تأخذ الكلمة كلها لها؛ فهي كذلك تشفى بالكلمة كما لا ينفع مع مخلوق آخر. وكل اعتلال صحي في جسد المرأة ينمو على التوازي معه ترددات عنيفة في نسيج روحها، فتتغير في كل مرة فكرتها عن ذاتها بسرعة السقوط الأعلى. ونعجب بأن المرأة قد تعترف بالعلة الجسدية، ولكنها - بحال- لن تعترف بالهلاك النفسي الذي تغرق فيه، لأننا قد ربطنا عبر منظومات تربوية مجتمعية تعسفية: بين ضعف المرأة والتصريح بهذا الضعف!
وخلاصة ما في القول، أنه لا بد من الاعتراف بأن المعالجة الطبية وحدها غير كافية في العناية بالمرأة، وأن تخصيص رافد التناول النفسي - مهما كان محددا وصغيرا- من شأنه أن يجعل هذه المرأة تتجاوز الأسئلة الشائكة حول صحة وجودها كذات خاصة جدا.
من يتعرض للمرأة -من أي وجهة- فإن عليه أن يدرك أنه يتعامل مع النقطة الرهيف في حلقة الخلق، وفي الوقت ذاته، فهي النقطة الأسّ في حصول هذا الخلق بالكامل.