كلمة (مبسوطة) وصف سطحي لشعوري
ليلة الأمس قلبي كان مزين بلمبات العيد ومفروش بسجاجيد حمراء وريحة بخور وإحساس فخامة عميق
وكتبت قبل يومين بدأت أسجل هذه الأفكار
أمس ربنا أكرمني بختمة قرآن
تجربتي هذه مختلفة لأني لأول مرة في حياتي أجربها أن أسرد المصحف كاملاً غيبًا على نفس الشخص في مدة أقل من أربعة أشهر.
كنت أبحث عن دار تحفيظ بنظام السرد
ونشرت في قصتي هنا قبل أشهر أني سجلت في تحفيظ عن بعد في الرياض
تنتظرني معلمة القرآن (أبلة آمنة) في بيتها في الرياض بين الساعة ١٠-١٢ صباحًا لأدخل زوم
وأسرد عليها كل يوم ١٢ صفحة من القرآن
جمانة وقت التسميع تكون معي ترفرف حولي وتلتصق بي كأنها بسة زنانة
تصبر أبلة آمنة علي كثيرًا وتتغاضى عن أصوات جمانة وهي تبكي أو تضحك أو تغني وتحشر رأسها عند السماعة
الأمر الجيد أننا لا نفتح الكاميرا وإلا لأصاب أبلة آمنة دوار من الجولة العجيبة في بيتنا سترى فيها ملابسي معلقة وأنا مختبئة في دولاب الملابس هربًا من جمانة وصوتها، أو ترى سقف بيت الألعاب وأنا أحشر نفسي داخله مع جمانة وأناولها البطاطس والبطيخ البلاسيتيك حتى تلتهي بألعاب المطبخ وأكمل الآيات
أو تراني ألاحق جمانة فوق مكتبي تمارس لعبتها المفضلة بإلقاء الكتب والأوراق على الأرض وأنا أمسكها كيف لا تسقط أو نمارس فقرة الرضاعة الطبيعية أحيانًا
أفقد تركيزي في كثير من الأيام وتصبر علي معلمتي وتفتح لي أبواب وقتها وقلبها
امتناني لأبلة آمنة ليس فقط على صبرها في وقت التسميع بل لأنها مدهشة في سعتها
تهوّن علي تأخري في بعض الأيام عن خطة التسميع بأن تعرض علي أن أتصل أي وقت آخر في اليوم وأسمع لها.. وفعلا فعلنا ذلك عدة مساءات وترفض أبلة آمنة أن تأخذ مقابل مادي على اللقاءات الإضافية بل تصر أن تتصل هي في مكالمة مدفوعة وليس بزوم لأنه خارج وقت الحلقة.
تسميعي لم يكن مثاليًا بل كان مليئًا بالأخطاء حتى أنني أستحي من بعض السور فأطلب من أبلة آمنة أن أراجعها وأسمعها مرة أخرى. وتظنوني لا أخطئ في الإعادة؟ أخطئ ولكن بشكل أخف
لكن رغم ذلك أنا راضية وأحاول أن أكون مثابرة
كنت أمس ممتلئة بالشعور الأبيض النظيف وقد اقتربت من ختم المصحف ، أشعر أني أحلق في سماوات عالية وأتنفس أنفاسًا نقية ويتلمع قلبي مع كل صفحة وكل آية
استمتعت جدًا بسرد الأجزاء ٢١-٢٢-٢٣ كانت آياتها منسابة رقراقة لا أعرف كيف أصف جمال التجربة.
لما اقتربت من الأجواء الأخيرة كنت شاكة في قدرتي على سرد المفصل (المفصل هي السورة من بعد سورة ق وحتى الناس) متتالية بدون أن تذكرني معلمتي بما هي السور التالية؟ كان الأمر أفضل من توقعاتي الحمدلله
شعور لذيذ حبيب لا يشبهه شيء وأنا أمر بالآية وتذكرني بأخرى تشبهها وأعرف موضعها والفرق بينهما
ودهشة غير متوقعة وأنا أخطئ في موضع سهل لكنه متشابه مع موضع آخر وأكتشف التشابه لأول مرة كما في سورة الطور والقلم أو سورة المزمل والإنسان
شيء رهيب أن تجمع السورة في قلبك وتجمع الجزء ثم تحاول أن تجمع المصحف
شيء عظيم أن تمر بالآية وتتأمل أن هذه الأحرف هي نفسها خرجت من فم النبي صلى الله عليه وسلم ومرت بأفواه وأنفاس مطهرة من الصحابة والتابعين حتى وصلت عليك
تشعر كأنك تسير في ذات المكان وتستظل بذات الظل وتتمنى لو أمسكهم الزمان وجئت تلحقهم تراهم وتسمع ترتيلهم
مراجعة القرآن نعيم لا تصفه الكلمات وتكرار الآية وتسميع السورة يمنح نقاوة عجيبة للأيام
قد يتردد البعض عن مشروع حفظ القرآن لمعرفتهم بأهمية المراجعة
أن نتراجع عن فكرة حفظ القرآن بسبب خوفنا من إلزامية المراجعة هذا فخ
الحقيقة غير المعروفة أن الحفظ والمراجعة هي أجمل (أسلوب حياة) لو بدأته تجرب حياة بمستوى فاخر ما يرضيك بعدها أنك تتنازل عنه
ألم تصبح الرياضة والقهوة وطقوس الصباح وتفاصيل نعرفها جزءا من حياتنا لا نتخلى عنه ولم نشعر لوهلة أنه شيء (ملزم)؟ كل ما نحسه أنها متع هامة لا نريد أن نتخلى عنها؟
من أوهمنا إذن أن المراجعة هي فعل إجباري إلزامي؟ إنها الفعل التلقائي لقلب أحب القرآن
إنها الاغتسال اليومي الذي يعيدنا أنقياء لعالمنا
نحتاج نتفاهم مع نفسنا ونقنعها أن الهدف هو الاتصال اليومي بالقرآن حتى لو كان عندنا صعوبات في الحفظ والمراجعة وما كان حفظنا بالإتقان المرجو
ونحتاج حاجة ماسة لسؤال الله أن يجعلنا من أهل القرآن ويثبتنا عليه
أنا الآن في صراع أتردد بين مشاركة التجارب وبين الحاجة للتخبئة
حتى لا يتعكر قلبي وحتى لا يظن من يقرأها أني صالحة بأكثر من حقيقتي
وحقيقتي أني مقصرة لكني محاولة
وكثيرًا ما أخفق