المشهد الأول
المكان: مدرسة ماما عزة (تحفيظ القرآن الأهلية)
الزمان: قبل حوالي ثلاثين سنة
العمر: الثالث الابتدائي
ساحة المدرسة الحائط الذي يقابلنا ونحن نصطف للإذاعة الصباحية المحاذي للدرجات السبع التي تقف الطالبات والمعلمات أعلاها لإلقاء الإذاعة
عُلقت على ذلك الحائط لوحة ورقية كتب عليها بخط اليد عبارة (حب القرآن وحب الغناء في القلب لا يجتمعان)
المشاهد اللانهائية المتتالية بعد المشهد الأول:
جولة في الحياة مدتها ٣٠ عامًا
قلّبتني الحياة وقلّبتها
ثمّ عدت لهذه العبارة التي وعتها ذاكرتي
عاد عقلي ليفلترها كما عاد يتفحص الكثير مما نموت معه ونما معي
وقلت
هكذا كانوا يبالغون
هكذا تشددوا
هل هذه العبارة نصٌ في القرآن أو في السنة النبوية؟إذن لن أستسلم لمعناها
الحياة حلوة ولا بأس بساعة وساعة والمسلم العصري هو الذي يمزج إيمانه برغباته ومتعه
مرت السنين..
رأيت فيها وتعلمت ونظرت للعالم من جديد وتذكرت المشهد الأول
فأدركت أن الذين استطاعوا أن يتمسكوا بالقرآن هم الذين لم تنشغل أيديهم بغيره
وأيقنت أن الذين فرغوا قلبهم وطهروه من الأصوات الأخرى هم الذين استطاعوا أن يسمتمعوا للصوت الخاص البعيد العميق القادم مع كل حرف في التلاوة
هم وحدهم الذين ذاقوا السكر في قاع الكوب
هم الذين حافظوا على نقاوة ماء قلبهم من الشوائب
وتأكدت أن الضجيج الذي يملأ الحواس يشتت القلب
فإذا جئت لتجمع قلبك على الآيات لم تكن الآيات ثقيلة لكن القلب قواه خائرة!
وأنك إذا أردت الربيع في قلبك بنسماته وزهراته ورفرفاته فلا تعكر هواءه بعوادم الدنيا!
المشهد الأخير:
عدت صغيرة صاغرة إلى اللوحة الحائطية في قلبي وقلت حقاً
"حب القرآن وحب الغناء في القلب لا يجتمعان"
{وإنه لكتاب عزيز}
والتخلية قبل التحلية