كان كل شيء في قبرص جديد ومختلف عن المكان الذي أتيت منه , المنازل , الطبيعة , البيوت , حتى الناس , لم أكن أعرف حينها سوي مروة وبنت أو اثنين من الجامعة , فكنت أقضي كل وقتي وحيدة بعد العودة من محاضراتي , لكن الشيء الذي كان محاضراتي , في سكن الجامعة , في الشارع , كنت مميزة , كنت محبوبة ,

في البداية أصابني هذا بنوع من الدهشة , أخذت وقتاً ليس بالقليل حتى أعتاد على هذا , ففي وطني كنا كثيرون للغاية , في كل مكان , في الشارع , المدرسة , المواصلات , وحتى في المنازل , لذا تكون موجود ولكنك غير مرئي , فقط موجود .

لكن في هذه البلد كنت واضحة , وكان هذا يسبب لي السعادة في غمرة كل ما يدور حولي , لم أتعرف على أي طلبة مصريين طوال شهرين وكل من كان معي وحولي , طلاب من أماكن مختلفة ومتفرقة من العالم , لهجات ولغات مختلفة ومميزة , طباع , تقاسيم الوجه , لون البشرة , والبنية الجسمانية , في قبرص كنا مختلفين لنتفق , كان اختلافها وتنوعها الشديد هو سر من اسرار الجمال , كيف أن كل من في هذا المكان هنا لسبب واحد بسيط , البحث عن حياة أفضل , والهروب من بلاد ضنت عليهم بفرصة واحدة للعيش الكريم .

كان كل من أقابله له أحلام  لا تشبه الآخر , ولكن في المجمل كانت أحلام مشروعة وبسيطة , وكنت دائماً أَسأل عن حلمي : فكان الجواب بسيط : أريد إنهاء دراستي والعودة لبلدي مرة أخري , اريد وظيفة جيدة وفقط

كان هذا يدهش معظمهم ..ألا تحلمين بالسفر لبلد أفضل , كندا , امريكا , المانيا , مكان افضل لحياة كريمة ... الا تريدين ان تري المزيد من الأماكن والمغامرات ؟

في الحقيقة حينما كانوا يسألوني هذا السؤال كنت أصمت وأري أن معهم حق ..من المؤكد أن هناك أماكن ومغامرات كثيرة , لماذا إذن أجعل من احلامي محدودة لتلك الدرجة ؟

بعد مرور شهرين , إذا صدف و سألني أحد عن أحلامي ..كنت أجيب ..اريد العودة الى مصر ..لكن أريد ان أرى المزيد ..أريد أن أرى العالم وأحظى بالقليل من المغامرات ..مضحك اليس كذلك ؟

لحسن حظي لم أقابل أشخاص سيئين في قبرص , فكل من صادفته كان جيدا بشكل أو آخر , أو لأكون منصفة , فأنا أخترت أن آخذ الجيد من الأشخاص واتغاضى عن السيء حتى أعيش بشكل ما

 كانت الدراسة والاختبارات المستمرة هي أكثر ما يضغط على أعصابي , كنت أشعر أن على الركض طوال الوقت ...كنت أريد أن أستريح من عناء وأثقال كنت أحملها معي قبل قدومي لقبرص , أحيانا كنت انهار بالبكاء , افقد اعصابي , لكن بشكل أو آخر كنت أدرس مجبرة , فلم أكن أريد أن أفشل , من منا يحب الفشل من الأساس ؟

حينما كانت تضغط الأشياء بقوتها علي , كنت ألجأ إلى المشي بكل قوتي , كنت امشي بالساعات بلا وجهة ولا هدف , وأحيانا كنت أميل إلى الحديقة العامة اجلس على المقعد هناك في الليل وحدي .....لأبكي 

بما ان كل من في قبرص من طلبة كانوا من بلاد مختلفة , فقد كانت لغة التواصل الوحيدة بيننا هي الإنجليزية , المضحك أنني من كثرة الوقت الذي أقضيه معهم , تقريبا كان اغلب النهار , وقليلا ما كنت التقي بمروة لانشغالها أيضا , حينما كانت تسنح لنا الفرصة بالخروج معا , كنت اتحدث معها وبدون أن أنتبه باللغة الإنجليزية , كانت مروة تخبرني بأن أتحدث بالعربية فنحن عرب , ماذا حدث لكي يا داليا ؟ لا تتحدثي بالإنجليزية ....كنت أرد عليها بالإنجليزية دون حتى أن أفكر كأنني قد تمت محو عقلي , كان الأمر ينتهي بنا نضحك نحن الإثنين ..ليرضى الله عنك يا مروة فلقد تركتي في قلبي ذكريات جعلت من أقسي وأتعس أيامي , بصيص يستحق الابتسام