كنت أمشي دائما في قبرص كان المشي هو علاجي الوحيد طوال إقامتي هناك , كنت أمشي لأشعر بنفسي خفيفة , لأفكر , لأبكي , لأتذكر, كنت كلما مشيت أنظر حولي لكل الأشياء التي أراها , للأشجار , للكلاب , للبيوت , للناس , وكنت دائما ما أشعر وداخلي يقول .. لا أنتمي لكم

تلك الأشجار ليست لي , الحيوانات لا تعرفني , هذه ليست بيوتي , الوطن شيء مختلف فكل ما في الوطن لك تنتمي اليه ويشبهك , كنت أشعر بالحزن الشديد فبلادي لم تحبني بقدر ما أحببتها أنا , تلفظنا أوطاننا فنضطر للرحيل ونقضي عمرنا كله نريد العودة , لغربة ثمن لا يشبه أي شيء آخر , حتي أن تسميتها صحيح للغاية (غربة) يعني تعيش فيها غريبا دائما .

كنت أريد الإحساس بالانتماء لأي شيء هناك , فبدأت بالاحتكاك بما يحيط بي , كنت القي التحية علي الغرباء في الشوارع , واصادق الجميع , كنت في حاجة ماسة للدفء  .

لكن الغربة لا تسلب كل شيء حتي لا أكذب الغربة تعطي أيضا , تعطي اماكن افضل , فرص اكثر عدالة , حياة مختلفة , تعامل فيها بإنسانية , لكن ما فائدة كل هذا وانت لا تجد من تشاركه افراحك و أحزانك . تعرفت علي أناس من بلاد مختلفة , من أنحاء العالم كانوا في الغالب هنا نفس السبب فبلادهم أيضا من رمت بهم هنا , ساعدني الكثير طوال فترة اقامتي هناك , اغلب من ساعدوني كانوا من بلاد افريقيا , كأن من ذاق طعم القهر ومرارة الأيام يرق حاله لغيره أكثر من أي أحد آخر.

ربما في قرارة نفسي كنت أفعل هذا عمدا حتي لا احب تلك البلاد , حتي استطيع العودة بلدي مرة أخري , لم أرد أن تسرق الغربة أفضل ما لدي وكل من أحبهم , كنت أخشي كثيرا العودة الي البيت ولا أجد من فيه , كنت أخاف من أن يعتادوا غيابي وأن أعتاد وحدتي , وأقضي عمري كله أجري وراء سراب زائف لأنوار بلاد لن تكن يوما بلدي

ما كان يخفف عني قليلا هو اجتهادي في الدراسة وتميزي وسط زملائي , كلمات التشجيع من أساتذتي , كنت أسعد ما أكون وسط محاضراتي ودروسي . كان فقط نظام الاختبارات المستمرة مزعجا جدا بالنسبة لي فقد كان يضغط اعصابي كثيرا وجود اختبارات مستمرة , لكنني كنت وبشكل ما اجتازها بصعوبة . الكل يري الصورة من الخارج فقط ا احد يعرف ما نعيشه في الحقيقة , كنت وأنا أمشي أحب الاستماع لشيء ما أغنية مثلا أي شيء كانت تعجبني رائعة الأبنودي حراجي القط فقط كانت تصور الغربة بكل تفاصيلها حتي نهايتها كانت واقعية للغاية , كنت أستمع ايضا للأغاني الوطنية وابكي , كانت الشهور الأولي لي هناك كلها بكاء تقريبا , كنت اعاني بشدة ولم يكن هناك من يعطيني كتفه لأبكي عليه , لم يكن لدي اي مكان ولا احد لأذهب اليه , كنت وحيدة تماما في بلاد غريبة , لم نكن أنا ومروة اصدقاء لتلك الدرجة فكان تعارفنا جديدا وكانت لديها العديد من الاصدقاء , كنت أفضل البقاء في الحديقة أو بالأسفل فجلوسي وحيدة في غرفتي تلك الفترة لم يكن خيارا مسموحا , كما أنني لم أكن أري شريكتي التركية في الغرفة كانت تأتي متأخرة وتذهب مبكرة في الصباح , حتي أننا كنا نادرا ما نلتقي , كنت أجدها غريبة للغاية , احيانا كانت تلقي علي السلام وأحيانا أخري لم تكن تتحدث الي مطلقا , كانت غامضة ومزاجية الطبع وحادة , وأنا لم أكن أفضل ذلك النوع القاسي حاد اطبع والمزاج من الناس , فظلت علاقتنا طوال شهرين تقريبا رتيبة اذا تحدثت معي اجبتها واذا لم تتحدث ا اتحدث معها , وهكذا فكانت هي تقضي معظم وقتها علي الهاتف حين تكون في الغرفة , في قبرص كنت كمن بدأ حياته من جديد كصفحة كتاب فارغة بلا اخطاء ولا إخفاقات ولا ماضي , كانت صفحة أسطرها بنفسي لأول مرة كان لدي وحدي الحق في اختيار ما يناسبني , كانت حياتي أنا , كنت أنا لأول مرة أنا بدون أي إضافات