كانت هذه اولي محاضرات مادة التسويق , دخلت المحاضرة ومن أول دقيقة أحببت أستاذ المادة كثيرا , كان جيدا للغاية , وفجأة وجدت نفسي أدخل المناقشة وأجيب وأندمج بسلاسة شديدة , استمتعت بشكل كبير وكانت هذه هي أول مرة استمتع بها بشيء منذ أن خطت قدماي هذا المكان .
انتهت المحاضرة بسرعة كبيرة , هكذا بدا لي , فكل الأشياء الجميلة تنتهي كقطعة حلوي في فم طفل صغير , كان علي التوجه لقاعة محاضرات اخري فلقد كان لدي محاضرة ثانية بعدها , كنت ابحث عن المكان وشاردة ي عالمي الخاص , حينها سمعت صوت يقول : هل أنت الفتاة القادمة من مصر ؟ نظرت وإذ بأستاذ مادة التسويق هو من يتحدث الي , كانت قدماي ترتجف لم أعرف لماذا هو قادم نحوي او ما الذي يريده ؟ ماذا فعلت بالضبط ؟ , أجبته : بلي أنا هي . فقال لي : لماذا أتيت لهنا ؟ . لم أعرف حقا حينها كيف صمدت . ثم أكمل حديثه : أنت جيدة للغاية , لم يكن عليك القدوم لهنا , أنت دخلت أول محاضرة وكنتي موجودة وبارزة , فانت تعرفين الكثير , أكثر من أغلب الموجودين هنا , كان عليك القدوم لمكتبي حتي اساعدك بما أنك أتيت متأخرة هذا الفصل الدراسي . لماذا لم تأتي ؟ .
كانت مشاعري مختلطة , لكني أخيرا استطعت الكلام : لم اكن أعرف . أنا جديدة هنا . لم يخبرني أحدهم اي شيء . كان هذا كل ما استطعت قوله .
أجابني أنه لا توجد مشكلة , وأن علي الا أخاف , أستطيع الحصول علي درجات جيدة للغاية إذا بذلت بعض المجهود الإضافي وان لدي القدرة علي ذلك .
أخبرني أيضا أنه إذا احتجت لأي شيء فمكتبه هنا وأشار الي مكتبه , استطيع القدوم متي أشاء , وإذا استطاع مساعدتي لن يتأخر .
لقد جعلني أشعر أنني لست وحدي في هذا المكان فهنا ملاك يحرسني , كان ملاكي الحارس , منذ ذلك اليوم لم يتأخر عن مساعدتي ابدا في أي شيء , إذا استطاع ذلك بالتأكيد .
بعد انتهاء الدوام , ذهبت لغرفتي لكن لم تذهب تلك المحادثة من عقلي ابدا . كان سؤاله يتردد في اذني وأبحث له عن جواب . لماذا انا هنا ؟ إذا كنت جيدة كما يقول لماذا جئت لتلك البلد .
في اليوم التالي في منتصف يومي كان لدي استراحة ذهبت الي مكتبه لأول مره وطرقت الباب كان موجودا ودعاني للجلوس . أخبرته أنني قضيت البارحة في التفكير في إجابة لسؤاله ووجدتها . أنا هنا لأن المكان الذي أتيت منه لم أجد فيه شيء سوي الظلم , لقد اردت فرصة واحدة فقط ولم احصل عليها , في بلدي لم يرني أحد .
أخبرني ان لا احزن وأنه لا بأس الحياة هكذا علي فقط الاجتهاد والدعاء وأن مستقبلي مبشر , وهو موجود .
قالي لي : انا أعرف جيدا ما تمرين به , انت تعيشين اياما صعبة , الاختبارات , ضيق الوقت , صراعاتك النفسية بكونك جديدة هنا لم تتأقلمي بعد , اشتياقك لبلدك , أنا ايضا جديد في هذا المكان , كنت مثلك تماما يوما ما لذا اشعر بما تمرين به ,
لك ان تتخيل كم هو إنسانا رحيما قبل كل شيء , لقد ساندني خلال وجودي في قبرص بشكل كبير , خرجت من مكتبه وتوجهت الي سكن الطلبة .
كنت بالكاد اتناول الطعام اول شهر , لذا فقد فقدت أكثر من عشرة كيلوجرامات من وزني حينها , اتذكر أن زميلتي في الغرفة اخبرتني أنني سأمرض وأن علي تناول شيء ما , لم أكن حينها افكر في الطعام ابدا فلقد كانت مشاكلي تقطع شهيتي .
بالرغم من أن زميلة غرفتي الافريقية لم تكن إنسانة سيئة , لكن لم أرتاح في السكن معها فلقد كانت مزعجة في بعض الأمور مثل السهر لوقت متأخر والانوار المضاءة طيلة الليل , الأصوات العالية .
لحسن حظي انها طلبت تغيير الغرفة لأنها كانت تريد البقاء مع أصدقائها الذين كانوا من نفس بلدتها , فبدلت الغرفة , وجاءت لغرفتي فتاة جديدة ( فيلدان ) , ولفيلدان حكاية سنرويها بالتفصيل .
لم اذكر مروه هذا اليوم , لكنني كنت قد مررت لغرفتها وطرقت الباب , لكنها لم تكن موجودة , ارسلت لها رسالة , أجابتني أنها بالخارج مع أصدقائها , شعرت بالإحباط في الحقيقة فلقد كانت مروه الوحيدة التي كنت اشعر بالأمان بقربها , كنت اشعر بالوحشة كثيرا في غيابها .
دخلت فيلدان الغرفة , القت علي السلام بالإنجليزية المتكسرة, كانت إنجليزيتها مضحكة وغريبة , تركية إنجليزية , احضرت الكثير والكثير من الأغراض , طبيعي فلقد امضت فيلدان في قبرص خمس سنوات .
كانت فيلدان جميلة في بداية العشرينات , شعر أسمر قصير , عينان زرقاوتان كبحر قبرص الساحر , قامتها قصيرة , كنا نفس المقاس ونفس الطول , بيضاء , كانت جميلة كبطلات الافلام التركية تماما , تدرس التمريض , وتعيش بتركيا .
لم استطع الإحساس باي شيء تجاهها , لم أفكر في تخمين اي شيء , كنت اريد فقط الاكتشاف بنفسي مع الأيام كيف ستكون تلك الفتاة , كانت تتحدث علي الهاتف مع والدتها , لم تكن تعرف أنني أفهم التركية , لذا كانت تتحدث بارتياح , كانت تخبر والدتها انها انتقلت لغرفة جديدة مع فتاة مصرية .
مما اثار فضولي ودهشتي هو انها كانت تحمل مصحفا في يدها بين أغراضها المنقولة ووضعته علي طاولة الدراسة مثلي تماما , كان المصحف باللغة العربية وعلي الجانب ترجمته بالتركية . نعم أعرف ذلك المصحف عن ظهر قلب , فلقد أصبح ملكي وأضعه الآن في غرفتي في تلك اللحظة التي أكتب فيها هذه الكلمات .