استيقظت في صباح اليوم التالي وأنا عاقدة أمري بحجز تذكرة عودتي وغلق الموضوع برمته من البداية , قصة تنتهي قبل أن تبدأ حتي , لكن ما إن توضأت وصليت الصبح , حتي سكنتني طمأنينة غريبة , ارتديت ملابسي وخرجت اي مكتب شئون الطلاب وجلست أمام بناية الجامعة واتصلت بوالدي , كان أول ما سألني عليه هو موعد رحلة عودتي , أخبرته أنني قررت البقاء , الوضع ليس بهذا السوء , سأبقي هنا لأسبوع آخر وإذا لم أستطع الاستمرار سأعود علي الاقل سأكون حاولت , لم يكن الأمر مقبول بدرجة كبيرة بالنسبة لوالدي , لكنه تفهمني وأخبرني لأفعل ما أراه مناسباً , علي كل حال أمامي وقت حتي أكمل كل أوراق قيدي في الجامعة , لأستغل هذا الوقت ولأري ما الذي سيحدث .
ذهبت الي مكتب مساعدة الطلاب الجدد , فلقد وصلت متأخرة عن الدراسة بشكل كبير ما يقارب الشهر , فاتني الكثير من المحاضرات وامتحانات نصف الترم الدراسي كانت علي الأبواب , هناك أخبروني أنني متأخرة كثيرا وربما لن أستطيع المواكبة ومن الأفضل لي أن أنتظر هذا الترم الدراسي , لكنني فكرت أنني لست متأكدة من بقائي هنا أم لا , لذا الوضع لن يسوء أكثر من ذلك , إذا كنت قررت المغامرة فلأكمل الطريق , خصوصا وأن العودة من هذا الطريق في ذلك الوقت كانت أصعب بكثير من الاستمرار , لذا قررت الاستمرار وسجلت المواد الدراسية وأخذت جدول محاضراتي .
بالطبع كأول أيام لي في المكان كنت قد تهت كثيرا في الجامعة , ودائما أقف لأسأل لكن لا بأس , ذهبت وبصعوبة شديدة عثرت علي مكان اول محاضرة لي كانت عبارة عن امتحان , لم اتعجب حظي وأعرفه جيدا .
لم تكن الأسئلة بتلك الصعوبة لكن بما انني لم ادرس شيء , فليست جيدة تعد جملة مناسبة , خرجت من الامتحان بمزاج حاد , كنت امر بمشاعر كثيرة ومتضاربة للغاية , لكن السعادة لم تكن من ضمنها , مع الأسف , انهيت محاضراتي مبكرا وعدت الي سكن الطلبة , في الأسفل حيث المقاعد والطاولة الكبيرة في الاستقبال جلست هناك , علي الأقل لن أضطر لصعود غرفتي في ذلك الوقت المبكر من المساء , فلقد كنت أكره البقاء وحيدة في تلك الفترة , أو بصراحة شديدة كنت أخاف البقاء وحيدة , فلقد كان هناك من يؤذيني ويجري خلفي عندما أكون وحيدة , لذا جلست وحدي وبعد ساعة او اقل إذا بفتاة جميلة كانت قادمة من الخارج تاتي ايضا لتستريح علي المقعد قبل أن تصعد غرفتها , نعم تخمين صحيح , كانت مروة , فمروة ليست شخصية جانبية في القصة , بل مروة بطلة محورية , تفاجئنا كثيرا لقد عرفتني وتحدثنا كانت سعيدة انني استقريت واهتديت الي جامعتي والي سكني وأخبرتني أيضا انها تسكن في نفس سكن الطلبة سابانجي .
تحدثنا قليلا , لا أعرف لماذا ولكن مذ أن قابلتها وأنا أشعر بالطمأنينة تجاها , كأنني انتمي اليها واعرفها منذ وقت بعيد , أخذت رقم هاتفي لتطمئن علي وتتصل بي إذا احتجت لشيء استطيع التحدث معها ايضا , دعتني علي العشاء معها اليوم , ستطبخ طعام فلسطيني تقليدي , أرادت مني تذوقه واشاركها طعام العشاء بدلا من تناول الطعام وحيدة في غرفتي , خصوصا أنه لم يكن لدي احد اعرفه .
لم أفكر لثانية في رفض عرضها , في الحقيقة لقد أنقذتني من عناء البقاء وحدي , صعدت لغرفتها وأنا بقيت جالسة مكاني اتصفح هاتفي المحمول , بعدما خيم الظلام رأيت انه من المناسب لي ان أصعد لغرفتي لأستعد , وصلتني رسالتها تدعوني للقدوم لغرفتها وأعطتني رقم الغرفة , ولأن للقدر دائما يد , كانت غرفتها في نفس الطابق الذي يقع فيه غرفتي تفصلنا فقط غرفتان , ذهبت هناك وفتحت لي الباب مبتسمة , ابتسامتها لم تكن تشبه أي شيء آخر , مزيج من ضياء الشمس بعد ليل حالك وبراءة طفل لم تلوثه بشاعة الدنيا , كم كانت ابتسامة دافئة تذيب وحشة قلب خائف ملكوم , كقلبي , دخلت غرفتها كانت دافئة مثلها , اعطتني طبق به طعام غريب لم اري مثله من قبل , طبيعي لشخص لم يخرج مره خارج حدود مدينته , ما بالك بشخص عبر المحيط , اخبرتني أن هذا الطعام يدعي مجدرة , وتلك هي سلطة خيار بالزبادي والنعناع , كنت عاجزة عن شكرها , فما فعلته من أجلي كان كبيرا جدا , هي نفسها لم تعرف حتي الآن ضخامة ذلك في قلبي , تحدثنا قليلا عني وعنها , استمتعت كثيرا , أخبرتني بما اننا معا استطيع القدوم لغرفتها متي اشاء والاتصال بها عندما احتاج مساعدة , كما ان في نهاية الأسبوع من المحتمل أن تخرج لرؤية معالم المدينة القديمة هنا , عرضت علي القدوم معها لمعرفة المكان والاستمتاع , قبلت طبعا, يا لها من إنسانة جميلة كنت أقول في عقلي , كانت المجدرة طعمها غريب لا يشبه شيء اعرفه , لكنها ذكرتني بالوطن , كان طعمها يشبه الكشري المصري قليلا , لقد صنعت لي مروة في ذلك اليوم طعاماً بنكهة الوطن .
أحيانا تقابل شخص يجعلك تنسي ما مررت به , يمسح كل شيء قبله , لم تكن مروه تعرف في ذلك اليوم الذي فتحت لي باب قلبها قبل غرفتها أنها منحت الطمأنينة لشخص غريب .
أصبحت غرفتها منذ ذلك اليوم وطني وملجأي , لقد احتميت فيها من كل ما كان يجري خلفي ويؤذيني