خطب علي بن أبي طالب فاطمة من نبينا ﷺ على درع، برهان وجوب المهر، وإن قل، وطالما كان مقوما بمال! وفيه تيسير المهور، وأن إغلاءها ليس دينا مجيدا، ولا خلقا حميدا.

وخطبة علي فاطمة من نبينا ﷺ على درع، برهان وجوب الولي، ووجوب المهر، ولأنه تعالى قال: ﴿ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ  ﴾[النساء:25]. وقوله تعالى ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ [البقرة: 232]. وقوله ﷺ (لا نِكاحَ إلَّا بوَليٍّ  )[].[ أخرجه أبو داود (2085)، والترمذى (1101)، وابن ماجه (1881)، وأحمد (19518). صحَّحه الإمام أحمد كما في ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/48)، وعلي بن المديني كما في ((السنن الصغير)) للبيهقي (3/17)، وابن القيم في ((تهذيب السنن)) (6/102)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (7/543)، وقال ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (2/372): حسَنٌ صحيح. وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (6/249): اختُلِفَ في وصله وإرساله. وذكَرَ أنَّ له طُرقًا. وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1881)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (822) وقال: ولا يُعَلُّ بإرسالِ مَن أرسَلَه].

وبينما رأي الإمام أبو حنيفة وغيره، جواز نكاح بغير ولي، واستدل بنفس الآية السابقة ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾  وتأسيسا على أن التراضي بين الزوجين كان كافيا، ولا حاجة من بعده لاشتراط شرط آخر، وأنه قد نهى الشارع عن عدم إعماله، وقد جعله عضلا، وبقوله تعالى﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾، ثم اعتمد على إرسال الحديث السابق. والجمهور على القول الأول.

عن عبدالله بن عباس: لَمَّا تزوَّج علِيٌّ فاطمةَ، قال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم: (أَعْطِها شيئًا)، قال: ما عندي شيءٌ، قال: (أين دِرْعُكَ الحُطَمِيَّةُ؟) [].[الصحيح المسند، الوادعي: 703، خلاصة حكم المحدث : صحيح]. وهذا برهان أن المهر حق خالص للزوجة. وأن(شيئا)يصلح مهرا خلاف تعسير فيه.

وحين نعلم مهرا قيمته درعٌ ثمنه أربعة دراهم، فدل على يسر ديننا أيما يسر، ولقول علي رضي الله تعالى عنه: فوالذي نفس علي بيده أنها لخطيمة ما قيمتها أربعة دراهم، فقلت‏:‏ عندي‏.‏ فقال‏:‏ (‏قد زوجتكها فابعث إليها بها فاستحلها بها‏‏‏) [].[ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير: (1/1396)].

إن وزن الدينار يساوي 4.25 غرام ذهب، والدينار = 12 درهما، يعني قيمة الدرهم=4,25÷12=1,4166جم ذهبا×810ج=1147ج، وهذا كان مهر فاطمة بنت محمد ﷺ - رضي الله تعالى عنها -! وذلك بحساب قيمة الذهب يومنا هذا: 24/10/1442.

وحين زوج نبينا ﷺ ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها بدرع قيمته أربعة دراهم =1147ج! وهذا ولي نبي، وهذه فاطمة بنت نبي، وهذا زوجها الإمام علي، فماذا هو فاعل ولي غير نبي، وماذا هي فاعلة غير بنت النبي، وماذا هو فاعل خاطب غير علي؟!

إننا بحاجة إلى مراجعة أعراف أهدرت قيمنا، وسابقت إسلامنا، وأعضلت بناتنا، وأعسرت أولياءنا، وأرهقت شبابنا. لاستدانة بيوتات، حتى قلت البركات. وعمت التطليقات، وزادت التسريحات!

عن أبي العجفاء السلمي: قال عمرُ بنُ الخطَّابِ: ألا لا تغلوا صُدُقِ النِّساءِ ، فإنَّه لو كان مَكرُمةً في الدُّنيا ، أو تقوَى عند اللهِ عزَّ وجلَّ كان أولاكم به النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، ما أصدق رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم امرأةً من نسائِه ، ولا أُصدِقت امرأةٌ من بناتِه أكثرَ من ثنتَيْ عشرةَ أُوقيَّةً ! وإنَّ الرَّجلَ ليُغلي بصدقةِ امرأتِه، حتَّى يكونَ لها عداوةٌ في نفسِه، وحتَّى يقولَ : كلَفتُ لكم علَقَ القِرْبةِ ! وكنتُ غلامًا عربيًّا مُولَّدًا، فلم أدْرِ ما علَقُ القِرْبةِ ؟ ! قال : وأخرَى يقولونها لمن قُتِل في مغازيكم أو مات : قُتِل فلانٌ شهيدًا ، أو مات فلانٌ شهيدًا ، ولعلَّه أن يكونَ قد أوقر عجُزَ دابَّتِه ، أو دفَّ راحلتِه ذهبًا أو ورِقًا ، يطلُبُ التِّجارةَ ، فلا تقولوا ذاكم، ولكن قولوا كما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : من قُتِل في سبيلِ اللهِ ، أو مات ، فهو في الجنَّةِ[].[صحيح النسائي، الألباني: 3349].

والشاهد قوله: وإنَّ الرَّجلَ ليُغلي بصدقةِ امرأتِه، حتَّى يكونَ لها عداوةٌ في نفسِه ، وحتَّى يقولَ : كلَفتُ لكم علَقَ القِرْبةِ ! وهذا كناية عن شديد تأسف، وبليغ مشقة.

وعن سهل بن سعد الساعدي: جاءَتِ امْرَأَةٌ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَتْ: جِئْتُ أهَبُ نَفْسِي، فَقامَتْ طَوِيلًا، فَنَظَرَ وصَوَّبَ، فَلَمَّا طالَ مُقامُها، فقالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيها إنْ لَمْ يَكُنْ لكَ بها حاجَةٌ، قالَ: عِنْدَكَ شَيءٌ تُصْدِقُها؟ قالَ: لا، قالَ: انْظُرْ. فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فقالَ: واللَّهِ إنْ وجَدْتُ شيئًا، قالَ: اذْهَبْ فالْتَمِسْ ولو خاتَمًا مِن حَدِيدٍ. فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ قالَ: لا واللَّهِ ولا خاتَمًا مِن حَدِيدٍ. وعليه إزارٌ، ما عليه رِداءٌ، فقالَ: أُصْدِقُها إزارِي، فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إزارُكَ إنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ منه شَيءٌ، وإنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عليها منه شَيءٌ. فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَلَسَ، فَرَآهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُوَلِّيًا، فأمَرَ به فَدُعِيَ، فقالَ: ما معكَ مِنَ القُرْآنِ؟ قالَ: سُورَةُ كَذا وكَذا، لِسُوَرٍ عَدَّدَها، قالَ: قدْ مَلَّكْتُكَها بما معكَ مِنَ القُرْآنِ[].[  صحيح البخاري: 5871].

والشاهد قوله ﷺ : اذْهَبْ فالْتَمِسْ ولو خاتَمًا مِن حَدِيدٍ.: وهذا هو كلام الحي الثاني، وهو عمدة في رجوع أمتنا إلى نوره وهداه، والعمل بسناه ومقتضاه، وقبل أن تجف دموع ندمنا! وحين عزف شبابنا، وعنست بناتنا.

إن المهر ليعد بمثابة رمز تكريم، ولقوله ﷺ: ‏‏‏(‏قد زوجتكها فابعث إليها بها فاستحلها بها‏)‏‏،وأنها ليست متاعا، بقدر ما إنها شقيقة الرجال، في إكرامها، وجعلها في القلب قبل العين، مقلة فؤاد، وسبب إلف ووئام.

إذ ولو كانت النساء يقدر تكريمهن بالمال، فما ظنك ببنت نبينا ﷺ ؟ وكم كان من المال مقدرا به إكرامها! وما بالنا بغيرها؟ لا حطا من قيمة، بل قياسا حسن اعتراف به، ووضعه محله اللائق به.

إن المغالاة في تأثيث منازل مدججة بمتاع زائل، ولربما مات الزوجان، أحدهما أو كلاهما، ولم يفيدا منه شيئا، بل أسرة تئن دَيْنا، طيلة حياتها، وكان سبب شقاق وطلاق.

إن إفراطا في تكاليف زواج، أو تفريطا فيها، هما جناحا طائر، إذا قص أحدهما وقع الطائر! ولعل حكماء عقلاء يراجعون، وكيما لاتسقط الأجنحة كلها!

وإذ بلعت الجمعيات الخيرية طُعْمَ مشاركة في تأثيث بيوتات زوجين بمغالاة، لم يكلفهما شرعنا به، أو قريبا منه، ولذا وجب ترشيدها إلزاما، لأنها سبب فتنة.

إن قول ربنا سبحانه: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾[الطلاق:7]. يمثل مجالا رحبا واسعا؛ لضبط مسألة الإنفاق، والمغالاة في الزواج، وفضلا عن أوجه الإنفاق جميعها، وإن جاءت الآية نصا في مسألة الإنفاق على المولود. وهو فقه، وجب تسخير إعلام جريء فقيه، علاجا له.

إن الشرع حين قال: ولو خاتَمًا مِن حَدِيدٍ، هو نفس الشرع الذي قال ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾[النساء:20]. برهان إنفاق كل ذي سعة من سعته، والموفق من وفقه الله.

إنه وبدل أن تفرح بيوت بزواجها، أصبحت تسابق تفريح قاعات، زعم ضيق بيوتها، لتزيد طين الدَّيْن بلة، ولأن الشوارع من حقها وأن تفرح ومجانا ! فضلا عن بيوت العروسين؛ وكيما لا تترك فارغة، لإسعاد غيرها بأهلها!

وإذ يبلغ متوسط تكاليف تأثيث مطبخ العروس في مصر ثلاث مائة مليار جنيه سنويا!  وبناء على تقرير جهاز التعبئة العامة والإحصاء، أن عدد حالات الزاج كان مليون حالة تقريبا، وبحسب بيان صحفي صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء؛ إذ" بلغ عدد عقود الزواج 927844 عقداُ عام 2019 م[].[جريدة المال ، مصر، الأحد, 8 نوفمبر 20]. وهذا فضلا عن أبواب أخر، ليس مجالنا الآن حصرها، ولأنها لا تخفى على بصير، وهذا رقم يحطم اقتصادات الأسر والدولة، ولأنه إهدار مباشر للأموال! وإذ كان يكفي منه نزر يسير.

ومنه فإنه يعد تأثيث مطبخ العروس، وعلى هذا الوجه، من باب إسراف، نهت عنه شريعتنا، وخاصة حين نعلم أنه يقضي على تدوير رأس المال، فتشل عجلة الاقتصاد!