لم يشهد التاريخ الحديث قدرة الإنسان على تخطي مسافة 1,609 متر (1 ميل) في أربعِ دقائق عدواً على الأقدام قط، ولا حتى من قبل أسرع العدائين في أهم بطولات العالم لألعاب القوى و الجري أو الأولومبياد. إلى أن أصبح من المتعارف عليه بين كتاب الرياضة و روادها بأنه من المستحيل أن يقطع الإنسان مسافة 1 ميل في 4 دقائق، و تشكل اجماع ضمني بأن تلك هي حدود القدرة البشرية
في السادس من مايو 1954 في بطولة اعدتها منظمة الرياضيين "الهواة" في جامعة اوكسفورد، شارك العداء روجر بانستر بعد أن كاد يعتزل رياضة الجري بسبب عدم تحقيقه لمراكز متقدمة في اغلب سباقاته، إلى أن قرر نسف جميع ما سبق له من مراكز متأخرة من خلال تدريباته لتحقيق رقم قياسي جديد
و في مضمار جامعة اوكسفورد، قام لأول مرة في تاريخ البشرية المسجل بتخطي مسافة 1 ميل في مدة 3:59.4 ليكسر الرقم القياسي العالمي و يصبح أول إنسان يعدو مسافة 1 ميل في أقل من 4 دقائق وهو الزمن "المستحيل" لقطع هذه المسافة
و بعد (أقل من شهرين) قام منافسه جون لاندي بكسر رقمه القياسي ليجري مسافة الميل في 3:57.9
يعتبر اليوم تخطي الميل في أقل من 4 دقائق -الزمن "المستحيل" سابقا- هو الخطوة (الأولى) لاعتبار أي رياضي بأنه عداء أصلا و يمكنه البدء في المنافسة
حدث هذا بعد تخطي قرابة 5,000 عداء إلى اليوم حاجر 4 دقائق بعد أن أبطل بانستر خرافة المستحيل و ظن في نفسه أنه قادر على تخطي هذا الزمن بالرغم من أن منافساته السابقة تشير إلى أنه ليس المؤهل الأول لذلك، ولا الثاني، ولا الثالث! حيث كان في الغالب ينتهي فيه المطاف خامساً او رابعاً في افضل الأحوال
أما اليوم، فيعتبر "المستحيل" اضحوكة و سبة لأي عداء، فهو جزء من التراث الغابر، فالمعيار الزمني الحالي قد قلّ 17 ثانية عما كان عليه ايام بانستر! حيث أن الرقم القياسي العالمي اليوم لتخطي الميل هو 3:43.13 حققه العداء المغربي هشام الكروج أسرع عداء في العالم
ظنّ البشرية لقرون بأن اختراق حاجز 4 دقائق هو امر "مستحيل" جعل ذلك واقعا، حتى جاء من ظن أنه "ممكن" فجعل ذلك واقعا كذلك.
"سواء كنت تظن أنك تستطيع، أو كنت تظن أنك لا تستطيع. فأنت محق". - هنري فورد
ورد في الصحيح عن النبي ﷺ أنه دخل على أعرابي مريض يعوده فقال له: "لا بأس طهور إن شاء الله"
فقال الأعرابي: "قلتَ طهور، كلا بل هي حمى تفور أو تثور على شيخ كبير تزيره القبور"
فقال ﷺ: "فنَعَم إذا"
فمات الرجل.
ورد في فتح الباري شرح صحيح البخاري
قوله: (فنعم إذا) الفاء فيه معقبة لمحذوف تقديره إذا أبيت فنعم، أي كان كما ظننت.
و إذا لم يسعفك كل ذلك في إدراك كم أن لظنك تبعات عظيمة و هو يشكل الدفّة التي تقود حياتك و المصنع الذي ينتج عنه حالك
فتأمل قول العلي العظيم ﷻ في الحديث القدسي الوارد في مسند أحمد. عن واثلة أن النبي ﷺ قال: "قال الله عز و جل أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء".