سبب الخلاف :
قال الإمام الرازي رحمه الله تعالى(التسمية لو كانت من القرآن لكان طريق إثباته إما التواتر أو الآحاد والأول باطل ، لأنه لو ثبت بالتواتر كون التسمية من القرآن لحصل العلم الضروري بأنها من القرآن ، ولو كانت كذلك لامتنع وقوع الخلاف فيه بين الأمة . والثاني : أيضاً باطل؛ لأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن ، فلو جعلناه طريقاً إلى إثبات القرآن لخرج القرآن عن كونه حجة يقينية ولصار ذلك ظنياً ، ولو جاز ذلك لجاز ادعاء الروافض في أن القرآن دخله الزيادة والنقصان والتغيير والتحريف ، وذلك يبطل الإسلام) .[ تفسير الرازي(مفاتيح الغيب) - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٩٥].
ملخص المسألة:
أولى أهل العلم عناية خاصة بالبسملة وذلكم لتعلقها بالقرآن الجيد من جانب ومن ثم بارتباطها بالصلاة، وباعتبارها قرآنا كريما من جانب ثالث.
ولورود أحاديث جد غفيرة بشأنها مما أضفى عيها أهميتها، إلا أنه قد نشأ عن هذه الأحاديث أقوال عدة في شأنها وذلكم لتعلق الأمر بحكمها عموما ومدى اندراجها تحت أي منها نتيجة ذلك.
وقد حفلت كتب أهل العلم ببيان أربعة أوجه حولها تعلق الأول منها ببيان أنها آية من سورة الفاتحة فقط، في حين تعلق الوجه الثاني بكونها آية أو بعض آية من كل سورة سوى سورة براءة، وكان الوجه الثالث مكرسا لبيان أنها تعد آية مستقلة في أول كل سورة لا منها. وخص الوجه الرابع لذكر أنها ليست بآية ولا بعض آية من أول الفاتحة، ولا من أول غيرها، وإنما كتبت للتيمن والتبرك، والفصل بين السور.
وسوف أتناول كلا بدرسه ولسوف أذكر كلا بدليله. ثم أردف بما رأيته حقا في المسألة. والله تعالى أسأله الصواب فيما إليه نحوت، وإلى ما إليه ذهبت.
والبسملة من حيث إنه قد تواتر نقلها كتابةً في المصحف، وأنها قد تواتر نقلهـا شفاهة على الألسنة في بداية كل سورة - ما عدا سورة براءة، ومنه تكون آيـة من القرآن الكريم فيما عدا سورة النمل، وهذا هو قول جمهور أصحاب المذاهب الثلاثـة الحنفيـة والشافعية والحنابلة .
أولا: إنها آية من سورة الفاتحة فقط. وهو قول الإمام الشافعي.
قال القرطبي رحمه الله تعالى: قال الشافعي : هي آية في الفاتحة ; وتردد قوله في سائر السور ; فمرة قال : هي آية من كل سورة ، ومرة قال : ليست بآية إلا في الفاتحة وحدها . [تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن), ج1/93].
الأدلة:
1- قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى(حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ : سُئِلَ أَنَسٌ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : كَانَتْ مَدًّا ، ثُمَّ قَرَأَ : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } يَمُدُّ بِبِسْمِ اللَّهِ ، وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ ، وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ)[ صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب مد القراءة، حديث رقم، 4777].
وجه الاستدلال: إن قراءة النبي ﷺ للبسملة مدا دل على أنها من القرآن العظيم، وإلا ما قرأها مدا كما هو الشأن في قراءته للقرآن المبين. إثباتها في المصاحف مع الفاتحة وعدها من آياتها.
2- عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها(كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا قرأَ يُقطّعُ قراءتَهُ آيةً آيةً بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِينِ) [ سنن الدارقطني، الدارقطني، الصفحة أو الرقم: 1/651 ].
قال الدارقطني المحدث : إسناده صحيح، وكلهم ثقات.
وجه الاستدلال: أن الرسول قرأ البسملة مع الفاتحة، قالوا: فدل هذا على أنها آية منها.
3 - إثباتها في المصاحف مع الفاتحة وعدها من آياتها.
ثانيا: إنها آية أو بعض آية من كل سورة سوى سورة براءة (الشافعي، ومن وافقه، ورواية عن أحمد، ونسب إلى أبي حنيفة.
الأدلة:
1 – قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى( حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، أَخْبَرَنَا الْمُخْتَارُ بْنُ فُلْفُلٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنِ الْمُخْتَارِ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا ، فَقُلْنَا : مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ . إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } ثُمَّ قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ ؟ فَقُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ ، فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ ، فَأَقُولُ : رَبِّ ، إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي فَيَقُولُ : مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ زَادَ ابْنُ حُجْرٍ ، فِي حَدِيثِهِ : بَيْنَ أَظْهُرِنَا فِي الْمَسْجِدِ . وَقَالَ : مَا أَحْدَثَ بَعْدَكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، يَقُولُ : أَغْفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِغْفَاءَةً ، بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجَنَّةِ عَلَيْهِ حَوْضٌ وَلَمْ يَذْكُرْ آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ) [صحيح مسلم، كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ حُجَّةِ مَنْ قَالَ : الْبَسْمَلَةُ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ، حديث رقم، 645].
وجه الاستدلال من الحديث: أن البسملة آية أنزلت مع سورة الكوثر فهي كذلك آية أو بعض آية من كل سورة تنزل معها وتعد منها.
2 - ثبوت البسملة في المصاحف مع كل سورة، سوى براءة، مما يدل على أنها آية أو بعض آية من كل سورة.
وقال الآمدي رحمه الله تعالى (اتفقوا على أن التسمية آية من القرآن في سورة النمل) [الاحكام - الآمدي - ج ١ - الصفحة ١٦٣].
وقال أبو حيان الغرناطي الأندلسي رحمه الله تعالى(أنه لا تصح الصلاة إلا بها في أول الفاتحة ، ولا يكون قارئا لسورة بكمالها إلا إذا ابتدأها بالبسملة سوى براءة ، لإجماع المسلمين على أن البسملة ليست بآية فيها ) [البحر المحيط، أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (المتوفى: 745هـ)، ص: 218 ].
وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى(الثاني، أنها آية من كل سورة ; وهو قول عبد الله بن المبارك). [تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن), ج1/93].
قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى: فالبسملة آية من كل سورة غير (التوبة) لإجماع الصحابة على كتابتها في المصاحف، وإجماع القراء على قراءتها غير (التوبة)، ويؤيد هذا التواتر الخطي والقولي كثير من أحاديث الإثبات الصحيحة، فوجب إرجاع ما ورد من أدلة النفي الظنية إلى الإثبات وإلا فلا يعتد بها، وإن صح سندها؛ لأن أحاديث الإثبات أقوى دلالة من أحاديث النفي، وأولى بالتقديم عند التعارض . [كلام منسوب إلى الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى، ومنشور على موقع إسلام أون لاين بعنوان(هل البسملة آية من كل سورة؟].
ويؤيد أنه قوله الفقرة التالية:
وقال أيضا رحمه الله تعالى(فذهب إلى أنها آية من كل سورة علماء السلف من أهل مكة فقهائهم وقرائهم ومنهم ابن كثير، وأهل الكوفة ومنهم عاصم والكسائي من القراء، وبعض الصحابة والتابعين من أهل المدينة، والشافعي في الجديد وأتباعه، والثوري وأحمد في أحد قوليه، والإمامية، ومن المروي عنهم ذلك من علماء الصحابة: علي وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة، ومن علماء التابعين سعيد بن جبير، وعطاء، والزهري، وابن المبارك، وأقوى حججهم في ذلك إجماع الصحابة ومن بعدهم على إثباتها في المصحف أول كل سورة سوى سورة براءة {التوبة} مع الأمر بتجريد القرآن عن كل ما ليس منه، ولذلك لم يكتبوا {آمين} في آخر الفاتحة، وأحاديث منها ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أنزلت علي آنفا سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم " وروى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يعرف فصل السورة - وفي رواية انقضاء السورة - حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم ". وأخرجه الحاكم في المستدرك، وقال صحيح على شرط الشيخين. وروى الدارقطني من حديث أبي هريرة قال: " "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا قرأتم الحمد لله (أي سورة الحمد لله ) فَاقْرَءُوا{بسم الله الرحمن الرحيم} فإنها أم القرآن والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها "[تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار (تفسير محمد رشيد رضا): ج1/37].
ومنه وعلى قول أصحاب هذا الرأي تكون البسملة أول آية من سورة الفاتحة، وهي أيضا آية من أول كل سورة من القرآن الكريم، كما وأنها جزء من آية في سورة النمل، كما قال تعالى(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
ثالثا: تعد البسملة آية مستقلة في أول كل سورة لا منها.
الأدلة:
1 - عنِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ لا يعرِفُ فصلَ السُّورةِ حتَّى تنزَّلَ عليْهِ بسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ. [صحيح أبي داود، الألباني، الصفحة أو الرقم: 788].
وقال الألباني رحمه الله تعالى : صحيح .
قالوا: كونها تنزل من قوله ﷺ (أُنْزِلَتْ) يدل على أنها آية من القرآن، وكونها للفصل بين السور يدل على أنها ليست من السور وإنما آية مستقلة.
2 - إجماع الصحابة على إثباتها في المصحف، وكتابتهم لها بخطه وقلمه، فنقلت نقله كما نقلت في سورة النمل، فلا يجوز الخروج عن إجماعهم وذلك لأنهم جردوا المصحف من غير الآيات القرآنية كالتفسير وغيره.
ويلاحظ أن هذا هو نفسه استدلال الشيخ محمد رشيد رضا في القول(ثانيا).
3 - قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى (فعند هؤلاء هي آية من كتاب االله في أول كل سورة كتبت في أولها وليست من السور وهذا هو المنصوص عـن احمد في غير موضع ولم يوجد عنه نقل صريح بخلاف ذلك وهو قـول عبـد االله بـن المبارك وهو أوسط الأقوال وأعدلها) [القواعد النورانية الفقهية، تقي الدين أبي العباس أحمد الحراني/ابن تيمية:ص17].
رابعا:
أنها ليست بآية ولا بعض آية من أول الفاتحة، ولا من أول غيرها، وإنما كتبت للتيمن والتبرك، والفصل بين السور، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والثوري، ومن وافقهم. مع إجماعهم على أنها بعض آية من سورة النمل.
الأدلة:
1 - عمدة القائلين بهذا القول كان اعتمادا على حديث صحيح رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ . فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ : إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ ؟ فَقَالَ : اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ ؛ فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : حَمِدَنِي عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } ، قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قَالَ : هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } قَالَ : هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ قَالَ : سُفْيَانُ ، حَدَّثَنِي بِهِ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَعْقُوبَ ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فِي بَيْتِهِ . فَسَأَلْتُهُ أَنَا عَنْهُ حَدَّثَنَا قُتيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُريْجٍ ، أَخْبَرَنِي العلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَعْقُوبَ ، أَنَّ أَبَا السَّائِبِ ، مَوْلَى بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ صلَّى صَلَاةً فَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ بِمِثْلِ حَدِيثِ سُفْيَانَ وَفِي حَدِيثِهِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي)[صحيح مسلم، كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، وَإِنَّهُ إِذَا لَمْ، حديث رقم: 633].
ووجه الاستدلال من الحديث أنه لم يذكر ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾، فدل على أنها ليست آية من الفاتحة.
وأعل ذلكم القول، لورود رواية أخرى وهي: "يقول عبدي: إذا افتتح الصلاة بسم االله الرحمن الرحيم فيذكرني عبدي
وأجيب بضعف روايته. حيث:
قال الإمام الدارقطني رحمه الله تعالى(فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِنِّي قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لَهُ , يَقُولُ عَبْدِي إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } فَيَذْكُرُنِي عَبْدِي , ثُمَّ يَقُولُ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } فَأَقُولُ : حَمِدَنِي عَبْدِي , ثُمَّ يَقُولُ : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } فَأَقُولُ : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي , ثُمَّ يَقُولُ : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } فَأَقُولُ : مَجَّدَنِي عَبْدِي , ثُمَّ يَقُولُ : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ , وَآخِرُ السُّورَةِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ . ابْنُ سَمْعَانَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ , وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ , عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْهُمْ : مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ , وَابْنُ جُرَيْجٍ , وَرَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ , وَابْنُ عُيَيْنَةَ , وَابْنُ عَجْلَانَ , وَالْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ , وَأَبُو أُوَيْسٍ وَغَيْرُهُمْ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي الْإِسْنَادِ وَاتِّفَاقٍ مِنْهُمْ عَلَى الْمَتْنِ , فَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي حَدِيثِهِ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى خِلَافِ مَا رَوَاهُ ابْنُ سَمْعَانَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ[ سنن الدارقطني، كِتَابُ الصَّلَاةِ، حديث رقم:1026].
والحديث فيه ابن سمعان عبد الله بن زياد بن سمعان، متروك الحديث، وروى هذا الحديث جماعة من الثقات، فلم يذكر أحد منهم في حديثه بسم الله الرحمن الرحيم. [الموسوعة الحديثية].
2 - قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى(حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بِ { الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ })[صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، حديث رقم 722].
ووجه الدلالة من الحديث أنه لم يكن يبدأ ب ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾، فدل على أنها ليست آية من الفاتحة أيضا.
3- وَعَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ يُخْبِرُهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ : صَلَّيْتُ خَلَفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بـِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا يَذْكُرُونَ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا حَدَّثَنَا مُحمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، أَخْبَرَنِي ، إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُ ذَلِكَ [صحيح مسلم، كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ حُجَّةِ مَنْ قَالَ لَا يُجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ، حديث رقم: 644].
والشاهد من الحديث قوله ﷺ (لَا يَذْكُرُونَ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا ). فدل على أنها ليست منها كذلك.
4 - قال الإمام النسائي رحمه الله تعالى(أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَارِسِيُّ قَالَ : قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ : قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ : مَا حَمَلَكُمْ أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي ، وَإِلَى بَرَاءَةَ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ ، فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ تَكْتُبُوا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ ، فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ عُثْمَانُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ يَدْعُو بَعْضَ مَنْ يَكْتُبُ عِنْدَهُ فَيَقُولُ : ضَعُوا هَذِهِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا ، وَتُنَزَّلُ عَلَيْهِ الْآيَاتُ فَيَقُولُ : ضَعُوا هَذِهِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا ، وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِلِ مَا أُنْزِلَ وَبَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ ، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهًا بِقِصَّتِهَا ، وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا فَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا فَمِنْ ثَمَّ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا بِسَطْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [ السنن الكبرى للنسائي، كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا،رقم: 6782 ].
وأُعِلَّ بضعفه.
قال العلامة المحدث شعيب الأرناؤوط رحمه الله تعالى: فيه يزيد الفارسي، وهو مجهول .[ تخريج المسند، الصفحة أو الرقم: 499].
وقال رحمه الله تعالى : ضعيف.
5 – من المعلوم أن آيات سورة الكوثر ثلاث آيات، وأن عـدد آيـات سـورة الإخلاص أربع آيات، فلو كانت البسملة آية من هاتين السورتين لكانت سورة الكوثر عدد آياتها أربعاً، وسورة الإخلاص عدد آياتها خمساً، فلما لم يكن ذلك فهذا يدل بوضوح على أن البسملة ليست آية من هاتين السورتين، فلما ثبت ذلك ثبت نفسه في غيرها من سـور القرآن الكريم، فلا معنى لثبوتها – أي البسملة في سورة وعدم ثبوتها في سورة أخرى أي في أوائل كل سورة من سور القرآن الكريم .
6 – إن البسملة لو كانت آية من أوائل سور القرآن الكريم بدءاً من الفاتحة إلـى سـورة الناس لتواتر هذا الأمر، ولم يحصلْ فيه خلاف مطلقاً، ولعرفته الكافة بتوقيف من النبي ﷺ، وبيانه الشافي أنها من الفاتحة، ومن غيرها من سور القرآن الكريم، كما بين ذلك النبـي ﷺ في بقية الآيات ومواضعها من السور والتي لم يحصل فيها خـلاف لا فـي قرآنيتهـا أو موضعها، ولما كان سبيل معرفة قرآنية الآيات واحدا وهو النقل المتواتر وليس الآحاد وجب أن يكون ذلك حكم مواضعه وترتيبه ، أي أن يكون ثابتا بالنقل المتواتر ، كما لا يصح لأحد أن يغير ترتيب الآيات ولا أن ينقل أي منها عن موضعه أو نقل سـورة عـن موضـعها، وفاعل ذلك كمن رام إزالة شيء من القرآن، فلو كانت البسملة من أوائل الـسور لعرفـت الكافة موضعها منها كسائر الآيات، وكموضعها من سورة النمل ، فلما لم ينقل أن البـسملة
آية في أول كل سورة نقلاً متواتراً لم يجز القول بأنها آية في أول كل سورة مـن سـور القرآن الكريم.
7- إن كتابة البسملة في القرآن الكريم لم يكن متصلا بالسورة وإنما كتبت فـي سـطر مستقل، وفي هذا دلالة واضحة على أنها ليست من السورة ،إذ لو كانت كذلك لوجـب أن تتصل البسملة بالسورة، إذ كيف تكون جزءاً من السورة، وتكون منفصلة عنها؟.
إن الفصل بين السور يمكن أن يتحقق بدون البسملة، فهو ممكن تحقيقه عن طريـق
اسم كل سورة، فيكون اسمها فاصلاً بينها وبين السورة السابقة، وهذا أمر متحقـق فـي سورتي براءة والأنفال حيث تم الفصل بين هاتين السورتين، فلو كانت للفصل كما ذكرتم لوجدت للفصل بين هاتين السورتين.
قال ابن العربي: ويكفيك أنها ليست من القرآن اختلاف الناس فيها، والقرآن لا يُختَلَف فيه.[أحكام القرآن، ابن العربي،ج1/6].
وقال رحمه الله تعالى أيضا: وذلك أن مسجد رسول الله ﷺ في المدينة انقضت عليه العصور، ومرت عليه الأزمنة، من لدن زمن رسول الله ﷺ إلى زمان مالك، ولم يقرأ أحد قط بسم الله الرحمن الرحيم اتباعا للسنة، بيد أن أصحابنا استحبوا قراءتها في النفل، وعليه تحمل الآثار الواردة في قراءتها. [أحكام القرآن، ابن العربي،ج1/7].
وقال القرطبي رحمه الله تعالى: الصحيح من هذه الأقوال قول مالك ; لأن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد وإنما طريقه التواتر القطعي الذي لا يختلف فيه . [تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن), ج1/94].
وقال القرطبي أيضا: والأخبار الصحاح التي لا مطعن فيها دالة على أن البسملة ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها إلا في النمل وحدها . [تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن), ج1/94].
وقال الإمام الرازي رحمه الله تعالى(التسمية لو كانت من القرآن لكان طريق إثباته إما التواتر أو الآحاد والأول باطل ، لأنه لو ثبت بالتواتر كون التسمية من القرآن لحصل العلم الضروري بأنها من القرآن ، ولو كانت كذلك لامتنع وقوع الخلاف فيه بين الأمة . والثاني : أيضاً باطل؛ لأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن ، فلو جعلناه طريقاً إلى إثبات القرآن لخرج القرآن عن كونه حجة يقينية ولصار ذلك ظنياً ، ولو جاز ذلك لجاز ادعاء الروافض في أن القرآن دخله الزيادة والنقصان والتغيير والتحريف ، وذلك يبطل الإسلام . [تفسير الرازي - ج 1/200].
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى (فعند هؤلاء هي آية من كتاب االله في أول كل سورة كتبت في أولها وليست من السور وهذا هو المنصوص عـن احمد في غير موضع ولم يوجد عنه نقل صريح بخلاف ذلك وهو قـول عبـد االله بـن المبارك وهو أوسط الأقوال وأعدلها) [القواعد النورانية الفقهية، تقي الدين أبي العباس أحمد الحراني/ابن تيمية:ص17].