(1) قبل تلاوة القرآن: لقول الله تعالى ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾[النحل:98].

قال القرطبي رحمه الله تعالى : " أي إذا أردت أن تقرأ ؛ فأوقَعَ الماضي موقع المستقبل ، وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، وأن كل فعلين تقاربا في المعنى جاز تقديم أيهما شئت؛ كما قال تعالى: ﴿   ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ﴾ (النجم: 8) المعنى فتدلى ثم دنا؛ ومثله: ﴿ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ ﴾ (القمر: 1) وهو كثير " [الجامع لأحكام القرآن، القرطبي: 1/153].

(2) في الصلاة قبل قراءة الفاتحة: "عن أبي سعيدٍ الخدريِّ قالَ كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا قامَ منَ اللَّيلِ كبَّرَ ثمَّ يقولُ سبحانَكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ وتبارَكَ اسمُكَ وتعالى جدُّكَ ولا إلَهَ غيرَكَ ثمَّ يقولُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثلاثًا ثمَّ يقولُ اللَّهُ أَكبرُ كبيرًا ثلاثًا أعوذُ باللَّهِ السَّميعِ العليمِ منَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ من همزِهِ ونفخِهِ ونفثِهِ ثمَّ يقرأُ "[صحيح أبي داود، الألباني، الصفحة أو الرقم: 775].

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « تَعوَّذوا باللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ، مِن هَمزِه، ونَفخِه، ونَفثِه. قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وما هَمزُه، ونَفخُه، ونَفثُه؟ قال: أمَّا هَمزُه، فهذه المُوتةُ التي تأخُذُ بَني آدَمَ، وأمَّا نَفخُه، فالكِبرُ، وأمَّا نَفثُه، فالشِّعرُ"[].[ تخريج المسند، شعيب الأرناؤوط، الصفحة أوالرقم: 25227]. خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره.

(3) عند الغضب: فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ ، قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلاَنِ يَسْتَبَّانِ ، فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ ، وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ ، لَوْ قَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ، ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ فَقَالُوا لَهُ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَقَالَ : وَهَلْ بِي جُنُونٌ"[]. [صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، حديث رقم: 3133].

(4)عند دخول الخلاء: فعن عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسًا ، يَقُولُ : "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الخَلاَءَ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ تَابَعَهُ ابْنُ عَرْعَرَةَ ، عَنْ شُعْبَةَ ، وَقَالَ غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ إِذَا أَتَى الخَلاَءَ وَقَالَ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ إِذَا دَخَلَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ"[].[صحيح البخاري،  كتاب الوضوء،  باب ما يقول عند الخلاء،  حديث رقم، 141]. وقال ابن حبان رحمه الله تعالى : " الخُبُثُ: جمع الذكور من الشياطين، والخبائث: جمعُ الإِناث منهم. يقال: خبيث وخبيثان وخُبُث، وخبيثة وخبيثتان وخبائث"[]. [صحيح ابن حبان 2/263].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " فإن الحش مع أنه مظنة النجاسة فإن الشياطين تحضره كما قال صلى الله عليه وسلم ( إن هذه الحشوش محتضرة ) و أمر عند دخولها بالتسمية والاستعاذة من الشيطان الرجيم، و كذلك الحمام فإنه مع أنه مظنة النجاسة، فإنه بيت الشيطان، كما جاء في الأثر الذي ذكرناه في الطهارة أن الشيطان قال : أي رب اجعل لي بيتا قال: بيتك الحمام . و هو محل للخبث و الملائكة لا تدخل بيتا فيه خبث " [].  [درء التعارض 4/455]. وحديث الحشوش "إنَّ هذه الحُشوشَ مُحتَضرةٌ، فإذا أتى أحَدُكم الخلاءَ فلْيَقُلْ: أعوذُ باللهِ مِن الخُبُثِ والخبَائثِ" [سنن أبي داود، الصفحة أو الرقم: 6].وسكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح]. 

(5) عند نباح الكلاب، ونهيق الحمير: لحديث جابر بن عبدالله – رضي الله تعالى عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا سَمِعتُمْ نِباحَ الكِلابِ ، ونَهِيقَ الحَمِيرِ بِالليلِ فتَعَوَّذُوا بِاللهِ من الشيطانِ ، فإنَّهُنَّ يَرَيْنَ ما لا تَرَوْنَ ، وأَقِلُّوا الخُروجَ إذا هَدَأَتِ الرِّجْلُ ؛ فإِنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ يَبُثُّ في لَيْلِهِ من خَلْقِهِ ما يَشاءُ ، وأَجِيفُوا الأبوابَ ، واذْكُرُوا اسْمَ اللهِ علَيْهَا ؛ فإِنَّ الشَّيطانَ لا يَفتَحُ بابًا أُجِيفَ وذُكِرَ اسْمُ اللهِ عليْهِ، وغَطُّوا الجِرارَ، وأوْكِئُوا القِرَبَ ، وأكْفِئُوا الآنِيَةَ"[].[صحيح الجامع الألباني، الصفحة أو الرقم:620 ].  وقال الألباني : صحيح.

وقال المناوي رحمه الله تعالى : " وحضور الشيطان مظنة الوسوسة والطغيان وعصيان الرحمن فناسب التعوذ لدفع ذلك ". [فيض القدير 1/381].

(6) عند الأرق والفزع: لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما " أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ كانَ يُعلِّمُهُم منَ الفزَعِ كلِماتٍ : أعوذُ بِكَلماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ ، من غَضبِهِ وشرِّ عبادِهِ ، ومن هَمزاتِ الشَّياطينِ وأن يحضُرونِ"[].[ صحيح أبي داود،  الألباني، الصفحة أو الرقم: 3893]. وقال الألباني: حسن دون قوله: "وكان عبد الله"   

و" (أعوذ) أي أعتصم (بكلمات الله) كتبه المنزلة على رسله أو صفاته، وقد جاءت الاستعاذة بها في خبر أعوذ بعزة الله وقدرته، والتأنيث للتعظيم، (التامة) الخالية عن التناقض والاختلاف، (من غضبه) سخطه على من عصاه وإعراضه عنه، (وعقابه) عقوبته (ومن شر عباده) من أهل الأرض وغيرهم، (ومن همزات الشياطين) نزغاتهم ووساوسهم، وأصل الهمز الحث، ومنه همز الفرس بالمهماز، ليعدو، وشبه حث الشياطين على الإثم بهمز الراضة الدواب على المشي، وجمعها باعتبار المرات، أو لتنوع الوسواس، أو لتعدد الشياطين، (وأن يحضرون) أي يحومون حولي في شئ من أموري، لأنهم إنما يحضرون بسوء " [].[فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي: ج ١/٣٧١].

وقال في الفتاوى " و «كلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر» هي التي كوَّن بها الكائنات فلا يخرج بر ولا فاجر عن تكوينه ومشيئته وقدرته. وأما «كلماته الدينية» وهي كتبه المنزلة وما فيها من أمره ونهيه، فأطاعها الأبرار، وعصاها الفجار "[الفتاوى 11/221].

وقال المباركفوري رحمه الله تعالى: " « أعوذ بكلمات الله التامة أي الكاملة الشاملة الفاضلة وهي أسماؤه وصفاته وآيات كتبه وعقابه أي عذابه شر عباده من الظلم والمعصية ونحوهما ومن همزات الشياطين أي نزغاتهم وخطراتهم ووساوسهم وإلقائهم الفتنة والعقائد الفاسدة في القلب وهو تخصيص بعد تعميم وأن يحضرون بحذف الياء وإبقاء الكسرة دليلا عليها أي ومن أن يحضروني في أموري كالصلاة وقراءة القرآن وغير ذلك لأنهم إنما يحضرون بسوء فإنها أي الهمزات لن تضره أي إذا دعا بهذا الدعاء وفيه دليل على أن الفزع إنما هو من الشيطان"[].[تحفة الأحوذي، المباركفوري: ج ٩/٣٥٦].

(7) عند الرقية: لحديث عبدالله بن عباس- رضي الله تعالى عنه – " كانَ رسولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يعوِّذُ الحسنَ والحسينَ ، يقولُ : أعيذُكُما بِكلماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ ، مِن كلِّ شيطانٍ وَهامَّةٍ ومن كلِّ عينٍ لامَّةٍ"[].[ صحيح الترمذي، الألباني، الصفحة أو الرقم: 2060]. وقال الألباني: صحيح.

وقال العلماء : "الهامة بتشديد الميم : وهي كل ذات سم يقتل كالحية وغيرها ، والجمع : الهوام ، قالوا : وقد يقع الهوام على ما يدب من الحيوان وإن لم يقتل كالحشرات، ومنه حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه " أيؤذيك هوام رأسك ؟ " أي : القمل ، وأما العين اللامة بتشديد الميم : وهي التي تصيب ما نظرت إليه بسوء."[].[الأذكار، النووي:1/131].

(8) عند دخول المسجد : لحديث عبدالله بن عمرو "أعوذُ بالله العظيمِ ، وبوجهه الكريمِ ، وسلطانِه القديمِ ، من الشيطانِ الرجيمِ . قال : أَقَطُّ ؟ قلتُ : نعم . قال : فإذا قال ذلك ؛ قال الشيطانُ : حُفِظَ مني سائرَ اليومِ"[] .[ صحيح الترغيب، الألباني، الصفحة أو الرقم: 1606].وقال: صحيح.

(9) عند الوسوسة في الصلاة: للحديث "أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا قَالَ : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي"[].[ صحيح مسلم، كتاب السَّلَامِ، بَابُ التَّعَوُّذِ مِنْ شَيْطَانِ الْوَسْوَسَةِ فِي الصَّلَاةِ، حديث رقم: 4200].

 و" أما ( خنزب )فبخاء معجمة مكسورة ثم نون ساكنة ثم زاي مكسورة ومفتوحة ، ويقال أيضا بفتح الخاء والزاي ، حكاه القاضي ، ويقال أيضا بضم الخاء وفتح الزاي ، حكاه ابن الأثير في النهاية ، وهو غريب . وفي هذا الحديث استحباب التعوذ من الشيطان عن وسوسته مع التفل عن اليسار ثلاثا ،ومعنى ( يلبسها ) أي يخلطها ويشككني فيها ، وهو بفتح أوله وكسر ثالثه ، ومعنى ( حال بيني وبينها )أي نكدني فيها ، ومنعني لذتها ، والفراغ للخشوع فيها"[].[ شرح النووي على مسلم: 7/342].

(10) عند إقبال الليل: فعن ٱبن عمر رضي الله عنهما قال: " كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا سافَرَ فأقبلَ اللَّيلُ قالَ يا أرضُ ربِّي وربُّكِ اللَّهُ أعوذُ باللَّهِ من شرِّكِ وشرِّ ما فيكِ وشرِّ ما خَلقَ فيكِ ومِن شرِّ ما يدُبُّ عليكِ وأعوذُ باللَّهِ من أسدٍ وأسوَدَ ومنِ الحيَّةِ والعقربِ ومِن ساكنِ البلَدِ ومِن والِدٍ وما ولَدْ"[].[ضعيف أبي داود، الألباني الصفحة أو الرقم: 2603  ]. وقال الألباني ضعيف.

وقال الـخطابـي: قوله " ساكن البلد " هم الجن الذين هم سكان الأرض، والبلد من الأرض: ما كان مأوى الحيوان وإن لم يكن فيه بناء ومنازل. قال: ويحتمل أن يكون المراد بالوالد: إبليس، وما ولد: الشياطين، هذا كلام الخطابي، والأسود: الشخص، فكل شخص يسمى أسود[]. [الأذكار النووية ، يحيى بن شرف النووي، الصفحة: ٢٢٦].

(11) عند النزول: لحديث خولة بنت حكيم السلمية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:« خولة بنت حكيم السلمية ، تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من نزل منزلا ثم قال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، لم يضره شيء ، حتى يرتحل من منزله ذلك »[].[صحيح مسلم، كتاب الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، بَابٌ فِي التَّعَوُّذِ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَغَيْرِهِ، حديث رقم: 5010].

و"(بكلمات الله التامة) أي الخالية عن العيوب أو الوافية في دفع ما يتعوذ منه (وهامة"[]. [عون المعبود، العظيم آبادي، ج ١٣/٤٥]. و(هي الكاملة الشاملة الفاضلة وهي أسماؤه وصفاته وآيات كتبه). [تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ج10، المباركفوري: ج10/313] و[الفاضلة التي لا يدخلها نقص]. [الموطأ، الإمام مالك بن أنس، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي،أبي عبد الله مالك :ج1/596].

(12) عند وسوسة الشيطان : لحديث أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه: « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا وكذا ؟ حتى يقول له : من خلق ربك ؟ فإذا بلغ ذلك ، فليستعذ بالله ولينته».[ صحيح مسلم، كِتَابُ الْإِيمَانَ، بَابُ بَيَانِ الْوَسْوَسَةِ فِي الْإِيمَانِ وَمَا يَقُولُهُ مَنْ وَجَدَهَا، حديث رقم:222].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : " قوله: (من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته) أي عن الاسترسال معه في ذلك، بل يلجأ إلى الله في دفعه، ويعلم أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوَسْوَسَة، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها، ، قال الخطابى : وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص بالله منه وكف عن مطاولته في ذلك اندفع . قال: وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر بذلك فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان قال: والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال والجواب والحال معه محصور، فإذا راعى الطريقة وأصاب الحجة انقطع، وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء، بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة، نعوذ بالله من ذلك "[].[شرح صحيح البخاري (مصابيح الجامع الصحيح)، الدماميني: ج7/78].

ومنه قوله تعالى: ﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف : 200] قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى : " يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: وَإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ وإما يغضبنك من الشيطان غضب يصدّك عن الإعراض عن الـجاهلـين ويحملك علـى مـجازاتهم ( فـاسْتَعِذْ بـاللّهِ ) يقول: فـاستـجر بـالله من نزغه. ( إنَّهُ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ ) يقول: إن الله الذي تستعيذ به من نزع الشيطان سميع لـجهل الـجاهل علـيك ولاستعاذتك به من نزغه ولغير ذلك من كلام خـلقه، لا يخفـى علـيه منه شيء، علـيـم بـما يذهب عنك نزغ الشيطان وغير ذلك من أمور خـلقه "[] .[  تفسير الطبري : ج6/155].

و" الشيطان لا يدع العبد يفعل هذا بل يريه أن هذا ذل وعجز ويسلط عليه عدوه فيدعوه إلى الإنتقام ويزينه له فإن عجز عنه دعاه إلى الإعراض عنه وأن لا يسيء إليه ولا يحسن فلا يؤثر الإحسان إلى المسيء إلا من خالفه وآثر الله تعالى وما عنده على حظه العاجل فكان المقام مقام تأكيد وتحريض فقال فيه وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم "[]. [ بدائع الفوائد، ابن القيم الجوزية :ج2/490].

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ*مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ*وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ*وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ*وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾

قال ابن القيم رحمه الله تعالى "وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ*مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ*وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ*وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ*وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [الفلق:5]. فهذا استعاذة من شر النفس ، وقال تعالى﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ*مَلِكِ النَّاسِ*إِلَهِ النَّاسِ*مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ*الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ*مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ [الناس:6]. فهذا استعاذة من قرينها وصاحبها وبئس القرين والصاحب فأمر الله سبحانه نبيه وأتباعه بالاستعاذة بربوبيته التامة الكاملة من هذين الخلقين العظيم شأنهما في الشر والفساد، والقلب بين هذين العدوين لا يزال شرهما يطرقه وينتابه، وأول ما يدب فيه السقم، من النفس الأمارة، من الشهوة، وما يتبعها من الحب والحرص والطلب والغضب، ويتبعه من الكبر والحسد والظلم والتسلط، فيعلم الطبيب الغاش الخائن بمرضه، فيعوده ويصف له أنواع السموم والمؤذيات، ويخيل إليه بسحره أن شفاءه فيها، ويتفق ضعف القلب بالمرض، وقوة النفس الأمارة والشيطان وتتابع إمدادهما، وأنه نقد حاضر، ولذة عاجلة، والداعي إليه يدعو من كل ناحية، والهوى ينفذ، والشهوة تهون، والتأسي بالأكثر والتشبه بهم، والرضا بأن يصيبه ما أصابهم، فكيف يستجيب مع هذه القواطع وأضعافها لداعي الإيمان ومنادي الجنة إلا من أمده الله بإمداد التوفيق، وأيده برحمته، وتولي حفظه وحمايته، وفتح بصيرة قلبه، فرأى سرعة انقطاع الدنيا وزوالها وتقلبها بأهلها وفعلها بهم، وأنها في الحياة الدائمة كغمس إصبع في البحر بالنسبة إليه " .[ الروح - ابن قيم الجوزية :ج1/ 232].

(13) والاستعاذة من الشيطان من أذكار الصباح والمساء: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ أبو بَكْرٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ : يا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ علِّمني شيئًا أقولُهُ إذا أصبحتُ ، وإذا أمسيتُ ، وإذا أخذتُ مَضجَعي . قالَ : قل : اللَّهُمَّ فاطرَ السَّمواتِ والأَرضِ ، عالِمَ الغَيبِ والشَّهادةِ - أو قالَ : اللَّهمَّ عالمَ الغيبِ والشَّهادةِ ، فاطرَ السَّمواتِ والأرضِ - رَبَّ كلِّ شيءٍ ومليكَهُ ، أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا أنتَ ، أعوذُ بِكَ من شرِّ نَفسي ، وشرِّ الشَّيطانِ وشِركِهِ"[].[ مسند أحمد، ت: أحمد شاكر،  الصفحة أو الرقم: /43].

قال المحدث(أحمد شاكر): إسناده صحيح.

و" قوله: «وشركه»، روي علـى وجهين: أظهرهما وأشهرهما: بكسر الشين مع إسكان الراء من الإشراك: أي: ما يدعو إلـيه ويوسوس به من الإشراك بـالله تعالـى. والثانـي: شَرَكه بفتـح الشين والراء: أي: حبـائله ومصائده، واحدها: شَرَكه بفتـح الشين والراء، وآخره هاء "[]. [الأذكار، النووي:80].

 وإنه" فقد تضمن هذا الحديث الشريف الاستعاذة من الشر وأسبابه وغايته فإن الشر كله إما أن يصدر من النفس أو من الشيطان وغايته إما أن تعود على العامل أو على أخيه المسلم فتضمن الحديث مصدري الشر اللذين يصدر عنهما وغايتيه اللتين يصل إليهما "[]. [إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، ابن القيم:91]. وقال رحمه الله تعالى أيضا: " فذكر مصدري الشر، وهما النفس والشيطان، وذكر مورديه ونهايتيه، وهما عوده على النفس أو على أخيه المسلم، فجمع الحديث مصادر الشر وموارده في أوجز لفظه وأخصره وأجمعه وأبينه "[]. [بدائع الفوائد،  أبي عبد الله محمد بن أبي بكر/ابن قيم الجوزي –ج2/352].

وقال رحمه الله تعالى أيضا : " ولما كان الشر له مصدر يبتدي منه وغاية ينتهي إليها وكان مصدرها إما من نفس الإنسان وإما من الشيطان وغايته أن يعود على صاحبه أو على أخيه المسلم تضمن الدعاء هذه المراتب الأربعة بأوجز لفظ وأوضحه وأبينه "[]. [شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل: 1/162].

(14) عَن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : « إن للشَّيطانِ للمَّةً بابنِ آدمَ ، ولِلمَلك لَمَّةٌ ، فأمَّا لمَّةُ الشَّيطانِ فإيعادٌ بالشَّرِّ وتَكْذيبٌ بالحقِّ ، وأمَّا لمَّةُ الملَكِ فإيعادٌ بالخيرِ وتصديقٌ بالحقِّ . فمَن وجدَ ذلِكَ فليعلم أنَّهُ منَ اللَّهِ ، فليحمَدِ اللَّهَ ، ومن وجدَ الأخرى فليتعوَّذ منَ الشَّيطانِ . ثمَّ قرأَ : ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾[].[ البقرة :268]. [عمدة التفسير، أحمد شاكر: الصفحة أو الرقم: 1/325]. خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح .

و"لمة بالفتح : قرب وإصابة من الإلمام، وهو القرب، والمراد بها ما يقع في القلب بواسطة الشيطان أو الملك .. ونسب لمة الملك إلى اللّه تعالى تنويهاً بشأن الخير وإشادة بذكره في التمييز بين اللمتين لا يهتدي إليه أكثر الناس والخواطر بمنزلة البذر، فمنها ما هو بذر السعادة، ومنها ما هو بذر الشقاوة"[].[فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي: ج ٢ /٦٣٣].

وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَـنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175] أي: "يخوفكم أولياؤه بما يقذف في قلوبكم من الوسوسة المرعبة، كشيطان الإنس الذي يخوف من العدو فيرجف ويخذل"[].[مجموع الفتاوى، ابن تيمية:ج10/ 239].