من أحراش الكونغو وحشائش السافانا وتحت أشجار الموز ونخيل جوز الهند وفي قمة الهمالايا وعند الغوص عميقاً في البحار وبعد نفس عميق لرائحة البهارات الهندية و القهوة الكولومبية و تذوق السوشي الياباني و الشاي السريلانكي، فإن السفر تجربة مثيرة وملهمة ومسلية مليئة بالتجارب الجديدة، ويسافر اليوم عدد أكبر من الاشخاص مقارنة بأي وقت مضى، ويبلغ عدد السياح حول العالم ارتفع إلى نحو 54 مليون في يوليو الماضي.

و منذ القدم اهتم العرب اهتماماً عظيما بالسفر وتوثيق رحلاتهم الى أرجاء المعمورة وقد سمي هذا الأدب بـ(أدب الرحلات)، وتُعد كتب الرحلات من أهم المصادر الجغرافية والتاريخية والاجتماعية، لأن الكاتب يستقي المعلومات والحقائق من المشاهدة الحية، والتصوير المباشر، مما يجعل قراءتها غنية، ممتعة ومسلية.

ويتضح أن أدب الرحلات قد تراجع عما كان عليه في العصور السابقة وحتى أوائل القرن العشرين، ويعتبر جيلنا محظوظاً حقاً كوننا نعيش في أيام يسهل فيها السفر كثيراً مقارنة بالماضي على صعيد السرعة والتكاليف بحيث أصبح السفر جزءاً من الحياة العادية والسياحة بمفهومها الحالي أصبحت اختلفت كثيراً عن الماضي، فالرحالة الأوائل كانوا أدباء ومؤرخين وجغرافيين ومكتشفين؛ لذلك سجلت كتاباتهم انطباعاتهم عن حياة الشعوب التي زاروها، ومظاهر سلوكهم وعاداتهم وتقاليدهم ونظمهم الاجتماعية والسياسية. ولعل المسئولية الأساسية عن تأخر أدب الرحلات حالياً ترجع إلى حرمان المسافر من تجربة الرحلة الحقيقية بكل ما فيها من عمق وإثارة واكتشاف وذلك بتخطيط الرحلة بشقل دقيق مسبقاً أو الاستعانة بمرشد سياحي مما قد يفقدها إثارتها، يضاف إلى ذلك تقدم وسائل الاتصال خصوصاً التليفزيون والإنترنت بحيث يظن مستخدم هذه الوسائل أنه يعرف كل شيء عن العالم، وأنه زار كل مكان في العالم وهو جالس في بيته لم يتحرك من مكانه أمام شاشة التليفزيون أو الجوال.

وهذ قد يجعله غافلاً عن المنافع العظيمة للسفر في عصرنا الحالي إذ يجعلك السفر أكثر فهماً للأمور غير المفهومة، كما أنه يجعلك تتحدى الصور النمطية والاعتقادات التي قد تحملها لسنوات طويلة. إن التعامل مع ثقافات معينة أو العيش في تجارب معينة ستجعلك مسلحاً بمعلومات أكثر دقة عن الحضارات المختلفة مقارنة بما قد تعرفه من قصص قد سمعتها عن غيرك، وخلال تعاملك مع الثقافات المختلفة وفهمها دون أن تتقبل بالضرورة كل ما فيها، ستصبح أكثر لطفاً وأقل ميولاً للحكم على غيرك خلال تعامل معهم.

واضف الى ذلك فإن السفر إلى الخارج يجعلنا نخرج من منطقة الراحة الخاصة بنا، ويجمعنا بأشخاص مختلفين ومواقف غير معتادة، فهو يعزز قدرتنا على التعاطف مع عدد أكبر من الناس. أيضاً، تبيّن أن تحدّث أكثر من لغة  يساعد في تعزيز المرونة الإدراكية في دماغك، وهو مصطلح يشير به علماء النفس إلى القدرة على التنقل ما بين الأفكار. وبهذا، ستتطور لدينا المهارات الإبداعية أيضاً عبر تحدي الطرق التي اعتدنا على رؤية الأشياء من خلالها أو القيام بها.

و يتعين على الآباءٌ السفر مع أطفالهم بشكل دوري والاقتداء بالعرب قديماً حيث كانوا يحثون ابناؤهم على السفر منذ الصغر و ينسب للإمام الشافعي من قوله حاضاً على الرحلة والسفر:

تغرب عن الأوطان في طلب العلا

وسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تفريج هم واكتساب معيشة

وعلم وآداب وصحبة ماجد

ورغم أن الرحلات القصيرة إلى الخارج للاستمتاع بالشواطئ أو المنتجعات لبعض الأيام هي وسيلة رائعة للاسترخاء، إلا أن السفر لفترات أطول والعيش في الخارج هو التجربة الأمثل لتغيير نظرتك إلى العالم وحتى طريقة تفكيرك لأنك ستعايش مجتمعات بقيمهم وأولوياتهم وكل جانب اجتماعي لثقافتهم الفريدة وبذلك ستتعلم ان تبقي عقلك متفتحاً، واضمن لك بأنك ستتغير لشخص أفضل بالتأكيد!

 وأخيراً تطرقنا خلال المقال لأدب الرحلات لذا أود توصيتكم بقراءة كتاب حول العالم في 200 يوم للكاتب أنيس منصور هذا الكتاب المميَّز من أجمل الكتب التي قرأتها وتعلَّمت منها كثيراً، رغم أنني قرأته منذ زمن طويل، إلاَّ أن تأثيره ما زال حاضراً في روحي ، حيث كان الكاتب حلو الروح خفيف الظل بعيد عن التكلف في الكتابة، وأعدّهُ كتابي المفضل وأعيد قراءة العديد من الفصول بشكل متكرر.

كتب قرأتها وأوصي بها في أدب الرحلات:

قديمة/

  • سلسلة كتب ابن بطوطة (بدأت رحلته عام 725 هـ)
  • حول العالم في 200 يوم – أنيس منصور (الطبعة الأولى عام 1962م)

حديثة/

  • حكايا سعودي في أوروبا (الكاتب عبدالله الجمعة عام 2013)

صورة الغلاف من  Connor Jalbert عبر  Unsplash     

شاركنا رأيك: ما هي أفضل وجهة للسفر في 2022؟ هل قرأت كتاب من تصنيف أدب الرحلات؟ من هو رحالتك المفضل؟