نعم أعي ذلك جيداً كل من أصادفه هنا ينظر إلى بالأصح ينظر بداخل عيوني ويتساءل عن قصتي , نعم أبدو إلى حد ما مثيرة للفضول , غريبة في مكان غريب , لكنني أفضل الصمت فلا قدرة لي على الحديث إطلاقاً , ولو سألتني عن شيء لن تجد لدي أي إجابة فالإجابات قد ماتت بداخلي منذ زمن .

أحاول حماية نفسي بالابتعاد والعزلة , بالرغم من احتياجي الشديد للرفقة والحب , فأنا وحيدة للغاية في بلد غريب , تستطيع حتى أن تلمح الخوف من حركاتي وتصرفاتي , ربما جل ما كنت أحتاجه في ذلك الوقت أن يجدني أحدهم , من ينظر لي من بعيد يرى صورة مختلفة بعيدة تمام البعد عن حقيقتي , فتاة في مقتبل العمر تسافر وحدها لتكمل دراستها في بلد أجنبي , يالها من قصة مشوقة تماماً كالأفلام السينمائية .

لكن هذه القصة , ليست قصة إلهام أو حكاية سعيدة تنتهي بزواج الأبطال , أو بعبارة ..ثم عاشوا بسعادة للأبد , الحقيقة هي أنه لا توجد أي قصة واقعية تكون هذه هي آخر سطورها .

لكن لابد من أن نكذب وإلا فكيف سنبيع القصة , نضطر أن نبيع الوهم ونعطي الناس آمالاً كاذبة , أحياناً أتساءل أليس هذا حرام ما نفعله بالناس , ألا يقل بيع أمل زائف وسعادة غير موجودة عن بيع سلعة مغشوشة ؟!

بنظري بيع أمل كاذب للناس أكثر جناحاً من أي شيء آخر , فالعبث بقلوب الناس جريمة لا تغتفر حتى وإن لم يعاقب عليها القانون , ولن يعاقب يوماً ما صدقوني .

أستمر بالعمل في المطعم بصمت , مرهقة كثيراً , قدمي تؤلمني , أريد البكاء لكن على التحمل , كيف سأثبت أنني قوية وأستطيع إذا هربت  هكذا من أول اختبار حقيقي للحياة .

كل العاملين هنا في المطعم لطيفين في الحقيقة , المشكلة بي فقط , لم أستطع التأقلم بعد أنه أول يوم , ما أمر به شيء طبيعي للغاية , يستمرون في محاولة التحدث الي بلغة الإشارة أو باللغة التي يعرفونها وهي التركية , حتى أنهم أحضروا لي نادلاً يتحدث الإنجليزية قليلاُ حتى يستطيع على الأقل أن يجعلني أفهم ما يريدونه , يعرضون على الطعام مرارا ً , استمر بالرفض , الخجل وكوني جديدة هنا يمنعوني من تناول الطعام , لا أشعر بالارتياح قط .

يتحدثون بينهم وبين بعضهم البعض بأنني حتماً سأمرض فأنا لم أتناول شيئاً علي الإطلاق منذ الصباح الباكر والآن قارب اليوم على الانتهاء , طبعاً سيجول بعقلك كيف عرفت ما يتحدثون به , الإجابة ببساطة شديدة هي أنني أعرف التركية وهذه قصة يطول شرحها للغاية , لكنهم لا يعرفون ذلك , لذلك كنت أبتسم بينما يتحدثون وأنا أواصل غسيل الأطباق .

وأخيراً دقت الساعة الرابعة والنصف , حان وقت انتهاء دوامي , أستأذن هل أستطيع الخروج الآن , نعم لكن على مقابلة المدير أولا .

المدير يدعي تولغا بيه رجل ضخم بتسريحة شعر ذيل الحصان , أشقر , حينما وقفت أمامه شعرت بمدى ضآلة جسدي  , تحدث معي بلغة إنجليزية متكسرة للغاية عن العمل وكيف هو أول يوم بالنسبة لي , أخبرته أنه مر بسلام لا بأس , قال لي حسنا أنه سيكون صعب علي بالبداية لكن بعد فترة سأصبح أقوى , ثم ودعته وانصرفت .

كنت أمشي في طريق العودة لسكني الجامعي بخطى خفيفة لكنها متعبة للغاية , لكنني كنت سعيدة , فلقد استطعت الصمود اليوم ولم أهرب , أنا قوية , علي الأقل أقوي مما كنت أظن نفسي 

 أعود راكضة لكن ليس الى غرفتي , بل إلى غرفة مروة , متحمسة لإخبارها عن أول يوم عمل لي في قبرص .