كنت في رحلة بالطائرة لمدينة الرياض وبعد أن وصلنا مطار الملك خالد، نزلنا من الطائرة وركبنا باص يوصلنا لصالة القدوم بالمطار.
كان الهدوء يخيم على ركاب الباص، والكثير منا مشغول بجواله، في هذه اللحظة كان هناك صوت هادئ يردد: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" فأخذت بعيني مثل غيري نبحث عن صاحب هذا الصوت، فإذا هو شيخ كبير في السن، كسى الشيب لحيته، وملامح الوقار واضحة على محياه. أخذ صوت الشيخ يرتفع بتدرج دون أن يكون مزعجاً، وفي لحظة مناسبة كأنه تعمدها، توقف بصمت بعد أن أتجه ركاب الباص له بالنظر، فتبسم ابتسامة جميلة وهو ممسك بطرف لحيته وقال: ألا يستحق من وصلنا بفضله سالمين أن نذكره ونثني عليه؟! كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتنا في الميزان حبيبتان إلى الرحمن!.
هذه الكلمة الطيبة لم تستغرق ثواني معدودات، لكنها وصلت لقلوب الركاب من أقصر الطرق، فكان تأثيرها عظيماً على الكثير فبدأوا بترديد نفس الكلمات وكأنهم يسمعونها لأول مرة، وشيخنا أرمقه من بعيد، وهو يتابع ما يحدث بعين الرضا فقد وفق في إيصال رسالته.
في قطاعات التعليم والتدريب مثل هذه المهارة مهمة لنا كـ معلمين أو مدربين، لكننا للأسف نغفل عنها كثيراً. فعندما لا نهتم في انتقاء الكلمات المناسبة في لقاءاتنا ومحاضراتنا سيكون حديثنا بالتأكيد غير مؤثر للطلاب فلا نصل لقلوبهم.
أبناؤنا الطلاب يحتاجون إلى أن ننتقي الكلمات المناسبة لهم في المحاضرات حتى تصل لقلوبهم، فتحفزهم لفعل الأفضل وبذل المزيد من الجهد في اكتساب مهارات التخصص التي ستنفعهم كثيراً في مستقبلهم المهني.
ختاماً، من منا قابل أحد طلابه بعد تخرجه وتوظفه ووجده يهتم بلقاءه ويسلم عليه بحرارة، ليفاجأه قائلاً: يا أستاذي، لقد كان وقع كلماتك علي مؤثراً، وها أنا كما تراني وقد استفدت من هذه الكلمات!.
تحياتي للجميع وعلى دروب الخير نلتقي.