كتاب من رمل أو طين، للمؤلف: ناداف سامين..



هذا الكتاب يسلط الضوء بشكل كبير على المنطقة الوسطى، وعلى مشروع حمد الجاسر للأنساب تحديدًا، ومحاولاته لإثبات الأنساب شفاهيًّا؛ وسعيه الحثيث لتصنيفها وتفصيلها إلى حقائق موثقة رغم كل ميوعتها، وتأرجحها، وإبهامها. كما يقول المؤلف.. فتح العلامة حمد الجاسر باب المراسلات بينه وبين من يحاولون إثبات أنسابهم، فكانت هذه المراسلات هي الهيكل الأساسي الذي بُني عليه هذا الكتاب. والذي كشف كما يقول المؤلف: عن تفاصيل حميمة لأناسٍ غرباء كانوا مستعدين لبسطها أمام العلامة الجاسر من أجل أن يُدرج أسم أسرهم في مجلداته وتحت مظلة قبيلة من القبائل التي ينتمون إليها؛ ولكنهم عاجزين عن إثبات هذا الأمر. ومن هنا انطلقت شرارة مشروع الجاسر وكتابه المعروف: معجم الأسر النجدية المتحضرة في نجد.
تنويه من المؤلف يقول فيه: لقد أجبرتني نوعية السرديات التي أقدمها هنا مع حساسية موضوع الأنساب في المملكة على خيارات منهجية قد لا يُسر بها العلماء الميالون إلى الصرامة البحثية!!! فالعديد من مراسلي حمد الجاسر بخصوص أثبات أنسابهم، أحياء يرزقون وإني لست معنيًّا بتعريضهم للفضيحة عوضًا عن استخراج صور مشتركة من تاريخهم الشخصي، لقد استخدمت أسماء صورية وارتأيت تمويه أغلب التفاصيل عن حياتهم الشخصية!
الحقيقة أنني أتعجب من إخفاء أسماء هؤلاء؛ مع أن الكتاب يعد بحثًا رصينًا في موضوعه، وقد أشرفت عليه مؤسسات عربية واجنبية وأسماء كبيرة جدًا! والباحث غربي؛ ومعروفٌ عن الغربيين أنهم لا يضعون في بحوثهم لأي اعتبارات! والغريب أن الباحث أعطى لنفسه الحق في نشر قصص لأناس من أهل العلا بأسماءهم من ذوي البشرة السوداء والساعين خلف توثيق أناسبهم، وذكرهم بالتفصيل؛ ولكنه تحفظ عند غيرهم، ممن هم بالأصل منبع مادة الكتاب وموضوعه! وفي قصة الشخص الذي أطلق عليه المؤلف اسم راشد بن حميد؛ تمويهًّا! كان راشد يحاول اثبات نسبه لقبيلة العجمان، بينما أناس من قرابته يقولون بأنهم ينحدرون من عنزة!
نَدم الجاسر بسبب اشارته لبعض المعلومات في مجلداته؛ إلى مخطوط معجم أسر القصيم لمحمد العبودي، الذي لم يُنشر أبدًا! حيث أعتمد على هذا المخطوط في طبعته الأولى، لكنه اقتطع الكثير منها في طبعته الثانية؛ بسبب انتقادٍ قوي من نسابة في منطقة القصيم! وقد ذكر هذا الأمر في طبعته الثالثة. مخطوطة العبودي أعيد تنقيحها في النهاية إلى دراسة عن مدينة واحدة وهي بريدة ونشرت في 23 مجلدًا، الذي في النهاية أثار جدلاً بسبب أن بعض الأنساب المعزوة بأنها موضع شك! ووصف كاتبٌ سعودي مشروع العبودي بقوله:" بأن عمر بريدة حوالي 200 سنة، عاش في القبليون وغير القبليين، يريد محمد العبودي، الغير قبلي! أن يكتب تاريخ المكان، حيث قام بإرسال استبيان إلى أسر بريدة يسألهم أن يرسلوا إليه أنسابهم؛ فأرسلت العديد من الأسر غير القبلية ادعاءتها؛ وبتلك الطريقة بدت "مؤامرة من غير القبليين" تجري على قدمٍ وساق! (ص 146/147).
يتساءل المؤلف: عن سبب انشغال حضريين بترسيخ أصل قبلي لهم وادعائه، على الرغم من أنهم ترعرعوا هم وكل من عايشوا من أجدادهم في مجتمعٍ زراعي وتجاري.! لم تكن ترجمة هذا الكتاب سهلةً كما ذكرت المترجمة: فاطمة الشملان، فقد بحثت عن كل المراجع العربية التي استقى منها المؤلف الاقتباسات، كي تنقلها كما وردت في النص الأصلي تمامًا، وقد كانت تشير في كل مرةً تنجح في إيجاد الاقتباس كما هو؛ من بين المؤلفات التاريخية؛ لأمثال ابن بشر وابن عيسى والحقيل وغيرهم، والرسائل الشخصية لمحمد بن عبدالوهاب، ومخطوطة ابن يحيى وغيرها كثير.
ذهبت المترجمة بنفسها وقابلت السيدة: هند بنت حمد الجاسر، وقد استقبلتها في بيت والدها حمد الجاسر في حي الورود في الرياض، حيث مكتبة حمد الجاسر الشخصية [مكتبة العرب]، والتي حصلت منها المترجمة على أغلب الرسائل التي ذكرها المؤلف في كتابه هذا، ومما يدعو للعجب، أن المترجمة منحت لنفسها الحق، بأن تخالف المؤلف في بعض أراءه! وقد ذكرت هذا الأمر في مقدمة الكتاب ص 12 ، لمن أراد الرجوع وقراءة النص، وعللت تلك الاختلافات في الرأي بأنها؛ ابنت هذا المجتمع الذي يحاول المؤلف تمحيصه، وتعرف عنه أكثر مما يعرف المؤلف نفسه، إذ أنها تنتمي إلى مجتمعٍ حضري يدعي أصلاً قبليًّا، كما يعود منشأ أسرتها إلى المنطقة الوسطى! هكذا عبرت بالنص.
أُستقبل المؤلف من قبل عائلة العلامة الجاسر، تحديدًا معن ومي أبناءه رحمه الله، وكذلك العاملين على مركز حمد الجاسر، فقد أعانوه على كتابة هذا البحث، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإٍسلامية والأمير تركي بن فيصل. وكثير من الأسماء المعروفة أمثال: الدكتور فايز البدراني، وأستاذ علم الاجتماع  الدكتور سعد الصويان وغيرهم من الأسماء المعروفة.
يعزم هذا الكتاب كما يقول المؤلف على: شرح لماذا تعتبر الأنساب مهمة في المملكة العربية السعودية الحديثة، لماذا في بلدٍ متشبع على نحوٍ ساحقٍ بالتدين الشعبي؛ رموزه، قوانينه، مسؤوليه! في النزعة في إثبات الانتماء القبلي في دولةٍ حديثة؟ لماذا تسعى بعض الأسر لمحاولة إثبات نسب أسرهم وارتباطهم الطولي إلى بعض القبائل العربية المعروفة تاريخيًّا.!
من الأشياء التي ساهمت في بقاء وترسيخ أسم القبيلة، حتى عصرنا الحديث هذا، هو كتابة الاسم الرباعي كما هو معروف في الهوية الوطنية، ففي عام 1969 أصدر نائب رئيس ديوان المراقبة العامة؛ مذكرة إلى مدير عام شؤون الموظفين، يشتكي فيه من تشابه الأسماء عندما تكون ثنائية وثلاثية! فيصعب التدقيق بين الأشخاص؛ فاقترح أن يكون الأسم ثلاثيًا مضاف إليه أسم القبيلة أو الشهرة حتى ينحصر التشابه! وكانت هذه التركيبة تطورًا مهمًا يرسخ مضامين ثقافة الأنساب في المملكة الحديثة. فربما كانت فكرة هذه الأسماء الرباعية في الهوية أو ما يسمى ب"التابعية" قديمًا هي خطوة استباقية من الدولة؛ انطلقت على اثرها بوادر مشروع العلامة الجاسر في تصنيف الأنساب.
كيف لنا أن نتطرق للأنساب دون أن يكون هناك حديثٌ عن نسب العائلة السعودية المالكة؛ ففي الكتاب سرديتان معروفتان عند العامة والخاصة، السردية الأولى تقول: بأن العائلة من قبيلة عنزة، والسردية الآخرى تقول: بأنهم من بني حنيفة. ففي كتاب مثير الوجد في أنساب ملوك نجد؛ يقول ابن عقيل الظاهري أن ارتباط آل سعود بعنزه شائعة قديمة؛ أبقيت حية عبر الزعماء السعوديين وآخرين للمنفعة السياسية. ص ٢٦٨
وفي 2012 قامت الدارة بنشر كتاب نسب آل سعود من تأليف فايز البدراني وراشد العساكر. لإثبات لغط الادعاء لعنزة مقابل دقة الانتساب لبني حنيفة. وانهاء هذه الجدلية؛ وهو ما سعى الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى تأييده؛ يعرف عن الملك سلمان أنه عالم في أنساب اسرته آل سعود وإلمامه الواسع في أنساب القبائل.


في النهاية:
أن الولوج في عالم أنساب الجزيرة العربية؛ يشبه الولوج في حقل ألغام! يقول سعد الصويان في كتابه؛ الصحراء العربية، إن أي مؤلفٍ يريد كتابة شيء عن تاريخ أو أنساب الجزيرة العربية، سواء كان سعوديًّا أو أميركيًّا أو غيره؛ سيكون سجين تراث الجزيرة العربية الشفهي حتمًا!. الكتاب يستحق القراءة فهو يؤرخ التاريخ السياسي والهوياتي في المملكة، لشح المصادر في تأريخ المنطقة الوسطى تحديدًا، يتحتم قراءة هذا الكتاب لكل مهتمٍ في تعريف سياسة الانتماء والاقصاء. كما يقول برنارد هيكل. الكتاب في ٢٧٩ صفحة.

• المراجع والمصادر في نهاية الكتاب:
العربية أكثر من 116 مرجع ومصدر.
الأوروبية أكثر من 163مرجع ومصدر.


Twitter: NaS_9c