كتاب قوة الإبداع الكلامي؛ للمؤلفة: أمجاد الثنيان..

كنت أتجول في مكتبة من المكتبات فوقع نظري على أحد عناوين الكتب؛ كتابٌ بعنوان: قوة الإبداع الكلامي، قلبته لأقرأ النبذة التي على ظهره، لعلي أجد فيها ما يجذب لشرائه؛ فأنا اتوجس كثيرًا من العناوين الماكرة؛ خصوصًا مع هذا النوع من الكتب التي تتحدث في ما يسمى فن تطوير الذات. مبدئيًا سعر الكتاب مرتفع وغير محفز للشراء، الكتاب لا تتجاوز صفحاته 150 صفحة؛ قمعت الصوت الداخلي الذي يمارس دور الوصي والذي لا يعرف غير التأنيب! قررت شرائه، دفعت ثمنه، بدأت بقراءته.


في المقدمة تقول الكاتبة: ألفتُ هذا الكتاب خصيصًا لكل شخص يعاني من ضياع الحروف عند كلامه. لكل شخصٍ يود لو أن كلماته كانت أكثر قوة ورشاقة؛ لكنها لم تكن كذلك.. لا أدري ما الذي جعلني أتذكر ذلك الفيلم الدرامي التاريخي البريطاني: (The kings speech خطاب الملك) 


 الفائز بأربع جوائز أوسكار، للبطل: كولين فيرث، الذي جسد شخصية الملك جورج السادس، حينما وصل إلى كرسي الحكم، وذلك بعدما تنازل أخيه الأكبر عن الحكم له، بسبب وقوعه بحب امرأة مطلقة؛ آثرها على الحكم فارتبط بها وترك الحكم لأخيه؛ وكان أخيه المتوج حديثًا يعاني من تعثرٍ في الكلام وخصوصًا عندما يتحدث أما الشعب علنًا! وكان يعاني من الرهاب أشد المعاناة، حتى قُدر له والتقى بالدكتور ليونيل لوغ، الذي استطاع أن يخلصه من هذه العقدة.. بوصفته الخاصة طبعًا وليس بهذا الكتاب! 😊الفيلم جميل ويتقاطع كثيرًا مع أفكار الكتاب.

تسترسل الكاتبة في مقدمتها؛ وتضيف بأنَّ: هذا الكتاب سيعلمك الأساليب الكلامية وأبجديات شرح الأفكار بوضوح، وسيعرفك على قوالب كلامية تزيد من قوة حديثك.. تختتم مقدمتها بمقولةٍ للإسكندر المقدوني: "أعطوني لسان خطيب وخذوا مني ألف مقاتل".. سأدخل في صميم الكتاب محاولاً الوقوف على بعض ما جاء به..


تقول الكاتبة أن أول سمات ومتطلبات قوة الإبداع الكلامي هو:
التنويع: فهناك مثل يقول: "العادة تفقدك الدهشة والتكرار يأتي بالملل". فحاول أن تستبدل كلماتك التي اعتدت التفوه بها! في المنزل وفي العمل وفي الشارع. بكلمات أخرى جديدة، وشاهد ردت فعل من حولك. فالإنسان ملولٌ بطبعه ويميل إلى التجديد؛ أعد تأسيس تعابيرك المجازية؛ واحذف المستهلك والمتعارف منها مثل: خفي حنين، مواعيد عرقوب، جدد قائمتك وابحث عن مجازات أخرى فشعور الدهشة يولد مع التجديد.
اقرأ في المترادفات والمتضادات: جدد قاموسك الكلامي فلغتنا غنية بالمترادفات والمتضادات، هل تعلم أن للسيف وحده أكثر من 300 أسم يا ألله! ما أعظم اعجاز هذه اللغة. أبدأ رحلة التجديد وقم باقتناء قاموس من القواميس الصغيرة، وداوم على مطالعته. ستجد بعد زمنٍ قليل من مداومتك على قراءته، أن لسانك لا شعوريًا استمرأ هذه الكلمات الجديدة واستبدلها دون أن تشعر بالكلمات القديمة المستهلكة.
كذلك.. انتقي من جيد الشعر ما يعينك على الاستشهاد، اقرأ لكبار الأدباء بصوت مسموع؛ حاول أن تتوقف على بعض مقطوعاتهم الأدبية وأعد صياغة كلماتها، واستبدلها بكلمات أخرى من قاموسك الصغير الذي نصحتك بشرائه وذكرته بالفقرة السابقة.


كيف تنشئ حديث ثري مع أي شخص وفي أي مكان؟
هناك أناسٌ يجدون صعوبة في فتح حديث مع الآخرين، وهناك من هو ضعيف في الاسترسال فتجده جريئًا في بداية الحديث ولكن عندما يتعمق الحديث تضيع بنات أفكاره ويتشتت! هل وددت مرةً أن تفتح حديثًا مع شخص، ولكن بسبب فكرة (ماذا أقول له)؟ أضعت هذه الفرصة؟ يقول بافليت: "غبيٌ بخطة يمكنه التغلب على عبقري بدون خطة". لذلك تقول الكاتبة: تساءل بينك وبين نفسك، كيف أتحدث مع الغرباء؟ ضع لك خطة تتوافق مع شخصيتك وقناعاتك، ضع قائمة أسئلة تخلق فيها كيمياء كلامية مع أي شخص. وإذا كنت ضعيفًا في الحوارات فضع قائمة طوارئ، تفتح بها حوارات مع الطرف الآخر؟ مثل أن تعلق على الطقس، أن تسأله عن الساعة التي يرتديها من أين اشتريتها؟ الاستغباء بأن تطرح سؤالاً: كم الساعة، ما هو تاريخ اليوم، ... الخ! أن تطلب منه أن يناولك شيئًا أو يصف لك مكانًا وهكذا! أن تستخدم الفضول المحمود في سؤالك؟ كأن تسأله هل تأتي إلى هذا المكان كثيرًا، وهكذا حسب طبيعة المكان تصاغ البدايات!.


في أحد الفصول بعنوان: "دبلوماسية عمر"، وعمر هذا شخص كان خجولاً عندما كان في المدرسة، كان ينأ بنفسه عن الدخول في سجال مع أولئك المتنمرين والمتطفلين في مدرسته ممن جعلوه مادةً للسخرية والتهكم؟ كبر عمر وأصبح مدرب حياة، وقد أتبع منهجًا سماه: المفاتيح التسعة، وهي:
1-  رد السؤال بسؤال: هذه الحيلة تضيع السؤال وتجعله شذر مذر فيتبخر. سئل سقراط ذات مرة، عن سبب ملوحة ماء البحر؟ فرد على السائل بقوله: أخبرني بالمنفعة التي ستجنيها من معرفة لماذا البحر مالح وأخبرك بالسبب في ملوحته.
2- الاستغباء.
3- حول كل عيب إلى ميزة:
ذكر أن شخصًا سُئل عن الشجة التي في وجهه؟ فأجاب هذه من علامات الإقدام! وهكذا فهذه الحيل تضعف نوايا السائل السيئة، وتحفظ كرامة السائل الطيب حسن النية. والمفاتيح السته الأخرى اترك للقارئ متعة اكتشافها؛ واكتشاف باقي فصول الكتاب.


في النهاية اختم بكلامٍ استوقفني من أحد فصول الكتاب، تقول فيه المؤلفة: "البعض يضع اشتراطات عجيبة للتغيير، يظن أنه لن يبرح مكانه إلا إذا تلقى كورسات على أيدي معلمين مخضرمين يعيشون في الكهوف أو في قمم الجبال، متناسيًا أن كلمة واحدة قد تبدل حياته وسلوكه أو صفاته ..." فالتغير يأتي دائمًا كضيف لطيف، فالواجب عليك أن تكرم وفادة هذا الضيف وتسمح له بأن يحدث تغييرًا، فكل شخص يوجد له مفتاحٌ لمعضلته.


ملاحظة:
لا يوجد في الكتاب فهرس، وهذا أول كتابٍ في حياتي أجده بلا فهرس ولا أعلم السبب! لكن الكتاب خفيف وماتع في مادته وأسلوبه ويستحق القراءة.


Twiteer: NaS_9c