في هذه الأيام العجاف من أيام العالم العربي الحزين بعمق ، كثيرا ما اتذكر هذا المثل :
" أُكِلتُ يوم أُكِل الثور الأبيض " ،
المثل الذي يُضرَب لمن لا يبالي بما يحدث حوله و بيجي في النهاية على راسو ، لأن من بدأ بالثور الأبيض انتهى بذبحه هو ، فقال اكلت يوم اكل الثور الأبيض... و اللي بقول " بنمشي جنب الحيط و بنقول يا رب الستيرة " ، بحجة الحفاظ على سلامته الشخصية و سلامة عائلته سينتهي بلا حائط ، و ربما وقع الحائط على رأسه .
أتذكر هذه الامثال فأقول :
اليوم هالأمثال أصبحت بلا معنى ؛ فالبَلَل وصل الى ذقن الجميع ؛ حياتنا جميعا - كعرب - مهدَّدَة يوميا و فعليا ، جميعنا :
الذي يعارض و الذي اختار السكوت ايثارا للسلامة ،
اللي جنب الحيط و اللي ماشي بنص الشارع ...
جميعنا وصلنا الى درجة الخطر العام الذي يهددنا بأرزاقنا و بأرواحنا و بصحتنا ،
جميعنا ، من شرق العالم العربي الى غربه ، كبارا و صغارا ، ذكورا و اناثا ، شجاعنا و جبناء في خطر .
#جنين_الحديدة ، العربي اليمني ، الذي لم يولَد بعد ، تم قتله ! .
لم يخرج بعد الى الشارع حتى يسير الى جانب الحائط،
لم يحمل سلاحا بعد
لم يتكلم ،
بل ، لم يولَد ... !
قُتِل في بطن امه ! .
تخيّلوا ... تأملوا الى أين وصلنا ، و بقولك " اسكت " و " تحكيش " و " عيش حياتك " !! . لم يعد لهذا الكلام معنى ، فالجوع يزداد في الوطن العربي ، الفقر يزداد ، الأدوية شحيحة ،الكهرباء ، حتى الماء، فضلا عن باقي متطلبات الحياة الأساسية ، كلها في خطر .. فأي سماء تُظِلُّنا ، و أي أرضٍ تُقِلُّنا ، أي حائط سيسنِدُنا ؟؟ ..
لقد تهدَّمَت الحيطان و أصبحنا في العراء جميعا .. نخرنا الفساد ، و دمّرتنا التبعية ، و ظهر الفساد في البر و البحر ...
فعن أي سترٍ تتحدثون ؟؟!! .
هل ستر بطنُ الأم ، و هو ظلمات ثلاث بعضها فوق بعض ، هل ستر جنين الحُدَيدَة ؟
هل حماه رحم الأم ؟
أحن و أكثر الملاجيء أمانا في العالم لم يستطع حمايته من قوى الإجرام و الظلم .
كل شيء ، و أي شيء ، أصبح مستباحا : المال و الدم و الشجر و الحجر ..
هل تقولون مبالَغَة ؟! .
أتمنى ذلك ،
لكن دققوا النظر ، و أصغوا جيدا ، تجدون حالة خطيرة جدا ، لا يعلم الا الله ألى اين تأخذنا .
لكن ،
من عمق المأساة ، و من أتون النار ، يأتي الفرج ؛
من اليمن خاصة ، من لبنان ، من سوريا ، من فلسطين ... حيث هناك أحياء وسط الأموات ، رجال لم تلههم تجارة و لا بيع عن الدفاع عن أوطانهم ،و عنا جميعا ، من عمق الظلام يبزغ نور " رجال الله " ، من نذروا أنفسهم لخدمة عباد الله ، في سبيل الله ، هؤلاء ، شيوخا كانوا ، أم ملحدين ، ما داموا يقاتلون الظالمين ،و يدافعون عن المستضعفين ، و يجهِضون خطط الغرب و أذنابه ، كما أجهض هؤلاء الأنذال أختنا اليمنية ، فسبيل الله ليست كلاما ، ليست دعوة في جوف الليل فقط على ظالم ،و لا ظهر يتقوس في محاريب منتصف الليل فقط ،
إن " سبيل الله " هي سبيل الناس ، هي الدفاع عن الناس ، عن الوطن ، عني و عنك ، لا استخدام الدين في سفك الدم ...
نعم ، كل من يحارب في سبيل الناس ، فهو يحارب في سبيل الله. مهما كان دينه و طائفته و انتماؤه، كما أوحى لي #الشيخ_المشتبك في وصيته :
الأقصى طريق الوحدة ، و العمل العام طريق لتجاوز المشاكل الاجتماعية ، بل و الشخصية .
العمل العام ، خوض أتون الحياة دفاعا عن الحياة و حقنا فيها جميعا ، و البعد عن الأنانية و الفردانية و التحزب و المصالح الخاصة الضيقة الحقيرة ، و البعد عن الأمثال البائسة التي علمتنا الجبن و الخنوع ، هكذا نصبح - كلنا - رجال الله ،و محاربين في سبيل الله .
#خواطري_علاء_هلال