.

القدس الإسلامية العربية الفلسطينية الكنعانية اليبوسية ليست مدينة كالمدن الأخرى إنها درة التاريخ ومهوى الأفئدة والقلوب مدينة الأنبياء والرسل محبوبة العباد والزهاد قبلة الأولين والآخرين بناها أبونا أدم بعد مكة بأربعون عاما واستوطن أولاده كهوف "وادي النطوف" وعَمَروا أريحا والكرمل وغزة، سكنوا سهولها وجبالها عشقوا شمالها وشرقها وجنوبها وأحبوا ساحلها وتركوا لنا أثار مساكنهم وأدواتهم ومقابرهم شاهدة عليهم، قبل مدن الأرض بآلاف السنين، القدس أَمَهَا كل أنبياء الله الذين أرسلوا لهداية البشر وشهدت عليهم كما شهد جبل المؤامرة "جبل المكبر" على رفع المسيح بن مريم عليهما السلام إلى السماء، وفوق ترابها الطاهر اجتمع النبي محمد صلى الله عليه وسلم بجميع الأنبياء والرسل ليسلموه الأمانة كأخر نبي مرسل للعالمين كافة، يؤمهم في أول صلاة على وجه الأرض يصليها أنقي الخلق من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام أجمعين وقفوا جميعهم خاضعين لله راكعين ساجدين مهللين مكبرين ليسجل التاريخ صلاة لن تتكرر بهذا الجم الغفير من المطهرين من الرسل من ولد أدم عليه السلام.

ومن فوق صخرة بيت المقدس عرج الملاك جبريل بالنبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء ليتلقى من ربه عمود الدين الإسلامي وركنه الأغر الصلاة، بكيفيتها وشروطها وعدد ركعاتها وسجداتها، وهناك في عالم الأنوار تركه الملاك جبريل، فيرى النبي المطهر صلى الله عليه وسلم من آيات ربه الكبرى ما لم يره نبي مرسل ولا ملك مقرب، لم يرى محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل ولكنه يسمع منه ما يسر قلبه ويرضيه.

من القدس وفلسطينها مرت كل الحضارات وتركت آثار مرورها ومضت، وبقيت الأرض المباركة قوية بأبنائها الصامدين، وما تعانيه اليوم إن هو إلا حدث عابر سيمضي كما مضى السابقون وتبقى القدس المُشَرَفَة مدينة الله في الأرض يرثها عباده المؤمنون الذين يعبدون الإله الأوحد الذي لا شريك ولا ند له والذي لم يتخذ صاحبة ولا ولد.

القدس هي المدينة الوحيدة التي تصارع عليها الأكاديون والأشوريون والبابليون والفرس والإغريق اليونان والرومان الغربيون واليهود والنصارى والرومان البيزنطيون تخطفتها الأمم بعيداً عن عروبتها ومؤسسيها الكنعانيون اليبوسيون فيأتي عمر بن الخطاب بنفسه ليعيدها إلى عروبتها الكنعانية تابعة للمسلمون، ويجتاحها الصليبيون مراراً فيطردهم المسلمون، ويحتضنها الأيوبيون والمماليك والعثمانيون قرون عديدة.

وهي وإن أصبحت اليوم تحت حكم الصهاينة الذين يخططون بأن تكون عاصمة لمملكة مسيخهم المزعوم وقاعدة يحكم منها العالم في حكومته العالمية الموحدة التي يبذلون من أجلها كل ما يملكون فإن له موعدا مع قاتله الفلسطيني المسيح القادم من قديم الزمان ليطعنه في قلب مدينة اللد طعنة تنسيه طعم اللذة الحمقاء التي خطط لها بمكر ودهاء سنين طويلة.

حينها فقط سينعم المسلمون الموحدون من أهل الأرض بالعدل والحرية في ظل دين الله الخالد الذي ارتضاه لعباده المؤمنون، فتستعيد الأرض بركتها وخيراتها وستعم أصقاع المعمورة روحها التي غادرتها قرون طويلة.

أما الذين تجبروا والطغاة الذين لا بصيرة لهم فإن لهم عودة بعد فناء مسيخهم المزعوم مع أمواج البشر من كل حدب ينسلون يعربدوا ويفسدوا ويغرقوا الشوارع بالدم والأشلاء حتى أن أبصارهم وأسلحتهم ستتجه لمحاربة أهل السماء بعد أن كادوا أن يفنوا أهل الأرض.

أنها حكمة الله أن تكون نهاية كل الأمم والطغاة فوق تراب فلسطين الطاهر، أُنظر فلا زالت أثار نهايات السابقون ظاهرة للعيان حتى ترى نهايات الآخرين جلية واضحة، ويكون أخرها فناء ما تبقى من تلك الشعوب التي عاشت ألاف السنين حبيسة خلف سد ذو القرنين الكبير.

كُنتُ أظُنها في خاطري
ولكن من بُعدِها أَغرَقت أَدمُعي أَعيُني
وَحدها تَحيى بين الثنايا
ويبقى ذِكرُها من عِشقها مُوجعي
هي القُدسُ ما خِلتُها
يوما تُفارقُ من حُزنِها مَهجعي
عَزيزةٌ كالنَفسِ والرُوح معا
إذا جَنَ قَطفُ مناياها أضلٌعي
أعيشُ طَليقا في أرضِها
أو إِدفنوا عِشقها والروحُ معي

نبض القلم تأليف وشعر: مصطفى بلبيسي .
www.omelketab.com .