كمن يمشي على مسارات متوازية كل نسخة منها تطالب بأمور مختلفة عن الأخرى. النسخة الأولى مثلاً, عليها أن تكون صبورة لأن الأحداث تسير ببطئ شديد يتماشى مع وعيها البطيء بمناطق الجهل, اكتشاف منطقة جهل ما, لا يعني اجتيازها بل معرفة حدودها ثم مدى أهمية اجتيازها من عدمه, قد لا تكون مهمة, حينها يكون على هذه النسخة التصالح مع منطقة الجهل تلك وغض النظر عنها. وقد تكون مهمة وحينها سيكون على هذه النسخة محاولة معرفة طرق الاجتياز ومحاولة الاجتياز. المحاولتان هنا تختلفان تماما في كل شيء في بعض الأحيان. 

النسخة الثانية, عليها أن تكون سريعة البديهة, سريعة الخطى, تمشي مع الساعة وتتواجد في اللحظة والآن, حضورها العقلي مهم كما الجسدي. هذه النسخة عليها أن تفتح صفحة جديدة كل يوم, خاصة مع الأشياء التي لا تكون على ما يرام لتقصير/تخاذل متعمد أو لغيره. صفحة جديدة تبقيها في الصورة اليومية المتجددة من حولها, أيام ستشعر فيها بالانتماء للصورة وأيام لا. هذه النسخة لها وجهتها الآنية التي تعرفها مسبقاً ولكنها تضيعها في بعض الأحيان, وحين تفعل, حين تُضيع وجهتها الآنية تنخفض سرعتها ويبدأ المعنى بالتلاشي من كل شيء حولها بسرعة شديدة. 

النسخة الثالثة, عليها أن تستوعب الصورة كاملة, أن تحافظ على مسار خطى النسخ الأخرى متسقاً مع توجهي العام, عليها أن تجد الوجهة الملائمة المستقبلية التي لازالت النسخة الأولى عاجزة عن اكتشافها. 

ثمة نسخة من الثلاثة أو جديدة لا أعلم بالضبط, ستواجه وتتصدى للصراع النفسي, رغبات التخاذل والاستجابة لها من عدمه, تأنيب الضمير من عدمه, هي تهتم بالجانب النفسي الذي يتضخم أحيانا ويتلاشى وجوده في أحيانا أخرى. لم أجد علاقة بعد بين التضخم والتلاشي للجانب النفسي وَ الحوادث والأمور التي تجري من حولي, لكني متأكدة بأني مسؤولة عن جزء كبير منه, مسؤولة بشكل شخصي أمام نفسي. أعني أن مزاجي بريء, الأحداث والمواضيع والمرحلة بريئة في كثير من الأحيان, وحدي المذنبة هنا. 

هذا ما أعيه في هذه اللحظة من عدد وماهية نسخي التي ليس عليها أن تمشي معاً, بقدر ما عليها أن تحافظ على توازيها وتقدمها الضئيل أو السريع لا يهم, المهم أنها تتحرك نحو اتجاه ما, ربما اليوم يكون هذا الاتجاه هو الأمام وفي الغد أكتشف بأنه الخلف, لا يهم أيضاً. المهم جداً - بالنسبة لي- أن تتحرك كلها. الوقوف بالنسبة لي موت بطيء, الوقوف يحول الأرض إلى كتلة حديد ضخمة وأنا مغناطيس صغير أنى له أن يتجاوز مكانه, أنى له أن يحرك قدميه في ظل وجود الجاذبية نحو الأرض بالوقوف دون حركة, لذا ما أعرفه هو أن علي الاستمرار بالمشي/بالركض/بالحركة نحو أي شيء ينتمي للطريق ويؤدي بي إلى الوجهة.