ماذا نفعل إذا جاءتنا سكرات الموت، أو وقعت لنا حادثة ـ وما أكثر الحوادث ـ وفاجئنا ملك الموت بنزع الروح، هل أعددنا أنفسنا لهذا الموقف العصيب؟ هل نستعد لتكون خاتمة حياتنا سعيدة، وتختم لنا بحسن الخاتمة.

إليك أختي الحبيبة، إليك أيتها الغالية كلمات من القلب وبإذن الله تدخل إلى قلبك؛ علها تجد مكانا وسعة، تلامس هذا القلب العطوف الحنون.

أخيتي: العمر قصير والأوقات محدودة والأنفاس معدودة، قال الله - تعالى-"كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ"آل عمران185، وقال سبحانه: "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ"سورة الزمر30.

أختي الحبيبة: هلا تذكرت حالكِ، وأنت على فراش الموت كيف سيكون حالك؟

هل تأملت هذه اللحظة الأخيرة من عمركِ، لا شك بأن أيامك الضائعة ستذكرينها في تلك اللحظة!

ستتمنين بأن يطال في عمرك ولو ساعة، أو دقيقة لترجعي وتعملي صالحا! لتسبحي تسبيحة، لتصلي ركعة! ولكن هيهات. هيهات.

"حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ" سورة المؤمنون99. لماذا؟! لماذا تريدين العودة؟!

"لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ"سورة المؤمنون100.

مرت جنازة فسأل أحد السلف لصاحبه: ماذا كنت تتمنى لو كنت مكانه؟ قال: أتمنى أن أرجع إلى الدنيا، وأصلي ركعتين فقال: له أنت في الأمنية فاعمل.

فلنتق الله في أنفسنا ولنعمل صالحا، فهذا ذخرنا وزادنا ليوم تشخص فيه الأبصار.

أيتها الغالية: الموت شديد وسكراته أشد. هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو خير البشر يعالج سكرات الموت ويقول: بأبي هو وأمي (إن للموت سكرات)رواه البخاري.

وفي هذه اللحظات يثبت الله الذين أمنوا بالقول الثابت، أما العاصي المعرض عن الله، فالله أعلم بحاله، ولكن عند النزع لا ندري ما نقول! إذن هنا الامتحان، هنا تثبيت الله للعبد لكي يوفقه لحسن الخاتمة، والتوفيق لقول: (لا إله إلا الله)، فمن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة، كما في الحديث الصحيح: "مَن كان آخرُ كلامِه لا إلهَ إلَّا اللهُ دخَل الجنَّةَ" (رواه أبو داود وصححه عدد من العلماء). ولكن لا يوفق العبد لحسن الخاتمة والتفوه بقول: "لا إلهَ إلَّا اللهُ" إلا إذا كانت أعماله صالحة، فيثبته الله تعالى عند نزع الروح، ولكن إذا كان بعيدا عن الاستقامة، فهل يوفق لحسن الخاتمة؟

فنستطيع الآن في وقت صحتنا وعافيتنا أن نقولها مئة مرة، ومئتين. فلنكثر من قول: (لا إله إلا الله) ونقبل على الطاعات، ونهجر المعاصي والمنكرات.

أختي الغالية: تذكري الموت وكربته. والقبر ووحشته. والموقف وغمته، فوالله لو تذكرنا الموت في كل لحظة. ما طاب لنا العيش. لا والله.

ولنقرأ هاتين القصتين، الأولى: من لا يوفق ولا يستطيع التفوه ولا نطق قول: لا إلهَ إلَّا اللهُ، لأن قلبه مشغول بالمعاصي، واللسان يترجم ما في القلب. والثانية: لمن يوفق في آخر لحظات حياته لقول: "لا إلهَ إلَّا اللهُ" وحسن الختام، نسأل الله تعالى أن يحسن خاتمتنا.

فهذه قصة شاب - كان من العابثين - يحكى عنه أنه حصل له حادث مروع في طريق من مكة إلى جدة. قال الراوي الذي حضر المشهد: فلما رأينا منظر السيارة ومشهدها الخارجي، قلت أنا ومن معي من الإخوة: ننزل، فننظر ما حال هذا الإنسان وكيف أصبح، فلما اقتربنا من الرجل وجدناه في النزع الأخير من حياته، ووجدنا مسجل السيارة مفتوحا على أغانٍ غربية باطلة، يقول: فأغلقنا المسجل، ثم نظرنا إلى الرجل وما يعانيه من سكرات الموت، فقلنا: هذه فرصة لعل الله - عز وجل - أن يجعل على أيدينا فلاح هذا الرجل في دنياه وآخرته، فأخذنا نقول له: يا هذا، قل: لا إله إلا الله. أتدري ـ أخي - بماذا تكلم في آخر رمق في حياته؟! ـ ليته ما نطق ـ لقد قال كلمة رهيبة عظيمة!، لقد سب دين الله رب العالمين، نعوذ بالله من الشقاء والخذلان وسوء الخاتمة.

وهذا باختلاف قصة رجل يقرأ القرآن يسير بسيارته سيراً عادياً، وتعطلت سيـارته في أحد الأنفاق المؤدية إلى المدينة. ترجّل من سيارته لإصـلاح العطل في أحد العجلات، وعندما وقف خلف السيارة لكي ينزل العجلة السليمة. جاءت سيارة مسرعة وارتطمــت بـــه من الخلف. سقط مصاباً إصابات بالغة. يقول أحد العاملين في مراقبة الطرق: حضرت أنا وزميلي وحملناه معنا في السيارة وقمنا بالاتصال بالمستشفى لاستقباله شاب في مقتبل العمر. متديّن يبدو ذلك من مظهره. عندما حملناه سمعناه يهمهم. ولعجلتنا لم نميز ما يقــول، ولكن عندما وضعناه في السيارة وسرنا. سمعنا صوتاً مميزاً: إنه يقرأ القرآن وبصوتٍ ندي. سبحان الله لا تقول هـذا مصاب، الدم قد غطى ثيابه. وتكسرت عظامه. بل هـــــو على ما يبدو على مشارف الموت. استمرّ يقرأ القرآن بصوتٍ, جميل. يرتل القـرآن. لم أسمع في حياتي مثل تلك القراءة. أحسست أن رعشة سـرت في جسدي وبين أضلعي. فجأة سكت ذلك الصوت. التفــت إلى الخلف، فإذا به رافعاً أصبع السبابة يتشهد ثم انحنى رأســه قفزت إلي الخلف. لمست يده، ثم قلبه، ثم أنفاسه. لا شيء فارق الحياة. نظرت إليه طويلاً. سقطت دمعة من عيني، أخفيتها عن زميلي، التفت إليه وأخبرته أن الرجل قد مات. انطـلق زمـيلي في بكاء. أما أنا فقد شهقت شهقة، وأصبحت دموعي لا تقف. أصبح منظرنا داخل السيارة مؤثرا. وصلنا المستشفى، أخبرنا كل من قابلنا عن قصة الرجـل. الكثيرون تأثروا من حادثة موته وذرفت دموعهم. أحدهـم بعدما سمع قصة الرجل ذهب وقبل جبينه. الجميع أصروا على عدم الذهاب حتى يعرفوا متى يُصلى عليه؛ ليتمكنوا من الصلاة عليه. اتصل أحد الموظفين في المستشفى بمنزل المتوفى. كان المتحدث أخوه. قال عنه: إنه يذهب كل اثنين لزيارة جدته الوحيدة في القرية. كان يتفقد الأرامل والأيتام، والمساكين. كانت تلك القرية تعرفه، فهو يحضر لهم الكتـب والأشرطة الدينية. وكان يذهب وسيـارته مملوءة بالأرز والسكر لتوزيعها على المحتاجين. وحتى حلوى الأطفال لا ينساها ليفرحهم بها. وكان يرد على من يثنيه عن الســفر ويذكر له طول الطريق، يقول: إنني أستفيد من طول الطريق بحفظ القرآن ومراجعته. وسماع الأشرطة والمحاضرات الدينية. وإنني أحتسب عند الله كل خطوة أخطوها. ثم من الغد غص المسجد بالمصلين. صليت عليه مع جموع المسلمين الكثيرة. وبعد أن انتهينا من الصلاة حملناه إلـى المقبرة. أدخلناه في تلك الحفرة الضيقة. استقبل أول أيام الآخرة. وكأنني استقبلت أول أيام الدنيا. نسأل الله - تعالى - حسن الختام، إنهما ميتتان، ولكن شتان ما بينهما!

أختي الحبيبة: هذه كلمات محبة لك مشفقة عليك تريد لك سعادة الدارين، فهلا وقفت مع نفسك وقفة محاسبة، ورجعت إلى الله منيبة تائبة عابدة.

إلى كل مذنب إلى كل عاص ـ وكلنا مذنبون خطاءون ـ باب التوبة مفتوح، فلتشمري ولتجتهدي فما هي إلا أيام وستلقين ربك، ويسألك عن عمرك، ومالك، ووقتك، وعملك. إما إلى جنة أو إلى نار، فأي الطريقين تختارين؟

اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

مقتبس 📝