أجزم بأن أول خطوة لتدمير أي مجتمع بشري هي خلق حالة من التشاؤم و الخمول الوطني.

في ذات اللحظة التي تقرأ أنت فيها هذه الكلمات، يستلقي 6 من فلذات أكباد هذا الشعب على فراش الموت القريب.

كايد، مقداد، علاء، هشام، عياد، لؤي. أعمارهم من أعمارنا، و حياتهم من حياتنا، و طموحاتهم من طموحاتنا. اختطفتهم عصابات الاحتلال من بيوتهم في ليلة لا يشع فيها القمر، فانتشلتهم من مسار حياتهم العادية الى غياهب جب مظلم لا قعر له.

 كايد هاوٍ لرياضة بناء العضلات، مواظب على النادي الرياضي و تمارين الحديد و الباي و التراي. كلنا نعرف شخصا مثل كايد، و قد تكون أنت مثله.

مقداد "نيرد" محبوب، مهتم بالفعاليات الثقافية و الاجتماعية، مواظب على التعلم و القراءة. كلنا نعرف شخصا مثل مقداد، و قد تكون أنت مثله.

و كذلك علاء و هشام و عياد و لؤي، ناس عاديون قد تراهم في محل الشاورما أو القهوة أو السوبرماركت، و قد تصادقهم إن صادفتهم في دائرتك الاجتماعية. و لكن كيف تحول هؤلاء الشباب إلى تجسيد للقضية الفلسطينية و مرحلة واضحة من مراحلها؟

عاشت القضية الفلسطينية في تاريخها الأليم الانتصارات و البطولات، و الهزيمة و الإخفاقات، و لكن ما يحددها هو تاريخ الخذلان. خُذلت فلسطين أيام الانتداب، و خُذلت خلال النكبة، و خُذلت في الأردن و في لبنان، و خذلت الخذلان الأكبر في أوسلو و في كل المصائب التي جرتها أوسلو... خذلاننا لهؤلاء الشبان الستة يجعلهم - فعلا - التجسيد المثالي للقضية الجريحة المظلومة. هذا الصمت المقيت عبارة عن امتداد لما قبله، حلقة جديدة في الجنزير الذي يجلد ظهورنا عشرات السنين.

يقول الأطباء بأن علاء الأعرج قد يفقد بصره حتى و إن انتصر. حاسة البصر - أغلى حاسة لدى الإنسان، ضحى بها علاء، فضل ظلمة العمى على ظلمة الزنزانة. حريته و كرامته - على عكس البعض - أولى عنده من الدنيا و ما فيها.

رأيت قبل أيام صورة لغضنفر أبو عطوان في مسيرة، رافعا صورة المقداد، متضامنا معه. احترت، أأشعر بالبهجة ام بالألم؟ هذا غضنفر، أضحى حرا طليقا و بصحة جيدة بعد أن تحول إلى هيكل عظمي قبل أشهر، و لكنه يرفع لوحة عليها هيكل عظمي آخر من هياكل القضية الفلسطينية. أترى هل نرى المقداد بعد أشهر، قد امتلأ وجهه و عاد مستديرا بلحية مهندمة محددة، خارجا في تظاهرة يتضامن مع الهيكل التالي؟ أم ترى هل يختم مسلسل الخذلان بنهاية مريرة، و يكلل صمود البطل بالشهادة؟

كيف نواجه عائلاتهم؟ كيف نكتب نعيهم؟ ماذا نفعل، أجيبوني؟ ألن نستحي أن "نزف لكم الشهيد فلان، خذلناه و سكتنا عنه فمات"؟

في النهاية ليس عندي ما أقوله إلا الآتي: إن العظام العارية من اللحم في سبيل كرامة شعب بأكمله أكثر بركة و أكثر شبعا من العظام التي تنكسر تحت وزن اللحم الذي نبت بالباطل و السحت و السرقة و الخيانة. النصر لكم.

(كتبت هذه المقالة في اليوم المئة و اثني عشر بالتوقيت الكايدي.)