تشاع بين الناس قصة “الضفدع المغلي”، حيث تدعي الخرافة الشعبية بأن الضفدع إذا وضعته في قدر الماء الساخن فإنه يقفز منه بسرعة، أما إذا وضعته في ماء باردة و غليته تدريجيا فإنه لا ينتبه، فيموت ويصبح شوربة بدون أي مقاومة.

طبعا هذه المعلومة (كغيرها من خرافات الحجات حفظهن الله) ليست صحيحة، فالضفدع  -  و إن أوهمتك عيونه الواسعة و مظهره المضحك - كائن ذكي، ولكن هل نحن بذكاء الضفدع الذي يرفض أن يصبح شوربة؟



يمينا: مستوطن يقتحم الأقصى و يرمي نفسه أرضا في طقس صلاة يهودي
يسارا: شوربة الضفدع البليد

 

 

أفاد جاد إسحاق، مدير معهد "أريج" للأبحاث، بأن الضفة الغربية تحتوي على 199 مستوطنة و 220 بؤرة استيطانية، و الأعداد تتزايد كل يوم. لربما شُد انتباه العالم العربي إلى البؤر الاستيطانية إبان حراك حراس الجبل في قرية بيتا جنوب نابلس، الهادف إلى عرقلة البؤرة الجديدة التي أنشأها المستوطنون على جبل صبيح. الضفدع البيتاوي هنا يقفز بكل ما اوتي من قوة.

الضفة الغربية، أو كما يدعوها اليهود "يهوذا و السامرة" هي المحور الجغرافي للأيديولوجية الصهيونية، و بدونها لا يكتمل حلم هرتسل، ففيها أغلبية المواقع المقدسة لدى اليهود، على عكس تل أبيب مثلا التي لن ترى الحريديم (اليهود المتدينين) ينطحون رؤوسهم بحيطان خماراتها و ديسكوهاتها. ولذلك فإن عقلية المستوطن الذي يشتري فيلا في بيت إيل أو يتسهار ليست عقلية الباحث عن دار أو عقار، بل عقلية المحارب المرابط على الأرض بنظرهم، فمجرد التواجد في "يهوذا و السامرة" في العقيدة الصهيونية جهاد و عبادة (و أعتذر عن ذكر هذه الكلمات الكريمة في مثل هذا السياق).

المجاهد (و من يهلوس نفسه مجاهدا) لا يجاهد إلا من أجل هدف فكري أو مادي يكون مستعدا للتضحية الكبرى من أجل تحقيقه. فما هو هدف الصهاينة؟

لدينا في فلسطين ضفادع بليدة، تظن بأن الماء سيظل باردا مع أن نيران جهنم ترمي بألسنتها تحت الطنجرة. يظن هذا الضفدع بأنه سيبني طابقا ثانيا على مشروع الدولة الفلسطينية، بينما معاول الإحتلال تنزل على أركان الطابق الأول بكل ما أوتيت من قوة. فكر، فكر يا ضفدع: لماذا تتسارع وتيرة بناء الوحدات الاستيطانية؟ أهذه أعمال عبثية، أم هي أعمال ممنهجة تكاد تصرح علنا بهدفها النهائي؟

مشروع الضم و الترانسفير لم يمت بموت زئيفي ولا بتقاعد ليبرمان، فإن زئيفي لم يخترع فكرة الترانسفير و لم يحملها وحيدا، بل إن الترانسفير هي القلب النابض للفكر الصهيوني بأكمله، و زئيفي هو مجرد صهيوني فظ لا يجيد فن التلاعب بالكلام كغيره من الساسة الصهاينة، بل يقول ما يدور في باله دون مداراة. يجب على فلسطين بأكملها أن تستوعب هذه الفكرة: الترانسفير قادم، الترانسفير قادم، الترانسفير قادم ما دام الكيان الصهيوني قائما. قبل النكبة، لم يستوعب أجدادنا تماما الخطر القادم، و ظن كثير منهم بأن الفكرة التي حملها "هذول المتشائمين" مبالغ بها و أن اليهود لن يقدروا عليها، بل ظن بعضهم بأن رحيل بريطانيا سيتيح المجال للعرب لدحر اليهود. مرت الأيام و أصبح نذير المتشائمين حقيقة واقعة تدرس في كتب التاريخ. انتبهوا و تعلموا من الماضي.

إن نظرنا إلى الخارطة بحثا عن أدلة، سنرى الفائدة الاستراتيجية العسكرية للمستوطنات. أرض ال48 مكان سيء جدا من ناحية الاستراتيجية العسكرية، و يصعب الدفاع عنها، و لذلك تبنت إسرائيل منهج الهجوم المستمر: بدلا من أن تضطر هي للدفاع عن شريط نتانيا الضيق، فإن المعركة ستكون في نابلس. بدلا من أن تضطر هي للدفاع عن الجليل الذي يعج بالطابور الخامس العربي، فإن المعركة ستكون في جنين. بدلا من أن تضطر هي للدفاع عن صحراء النقب الخالية، فإن المعركة ستكون في الخليل. و هنا تكمن الأهمية العسكرية للمستوطنات: المستوطنة عبارة عن خط اشتباك يمتص الصدمات نيابة عن تل ابيب و بتاح تكفا و القدس الغربية، المستوطنة عبارة عن ثكنة عسكرية محصنة و جاهزة، المستوطنة عبارة عن خلية السرطان التي تنتظر فرصتها لتتمدد و تبتلع "يهوذا و السامرة" لقمة واحدة.

يقلل البعض من أهمية المستوطنات و يزعم بأن هدفها النهائي هو تكوين كانتونات أو بانتوستانات فلسطينية. أنا أزعم بأن هذا تهاون، فما الذي يحمل المشروع الصهيوني على تقبل وجود "ثواليل" عربية مؤلمة على "أرض إسرائيل"؟ كل فلسطيني عربي قابع في أرضه هو خطر محدق بالمشروع الصهيوني، كل فلسطيني عربي هو خطر لتجدد إنتفاضة الأقصى، و تجدد سكين مهند، و رشاش باسل، و صاروخ القسام. المسألة مسألة مصالح و فكر معلن، و استنباط واضح و مباشر. الحاضنة العربية للترانسفير موجودة، و إسرائيل آمنة تمام الأمان من المجتمع الدولي، و الاستيطان على قدم و ساق.

اللهم قد بلغت، و الحذر كل الحذر من عدم الجاهزية، و التهاون في فكر المقاومة و جدواها المستمرة، و التعود على اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، لئلا نصبح كالضفدع البليد: عبارة عن شوربة يحتسيها قادة الحركة الصهيونية على مائدة المنتصر.