Image title
الجهل ضد .. المعرفة


بقلم المدون المحامي : إيهاب ابراهيم -

إن الدارس للفكر الديني وأدبياته يلاحظ أول ما يلاحظه في خطابه هو هذه الديماغوجية والروحانية المضخمة بشكل كبير فنظرة الدين الى كل شيء إبتداءاً من أصغر مكون وحتى الإنسان والموجودات والكواكب تبدأ بالروحي والمعنوي وبالتالي هذا يفترض حتماً وبحسب زعمها أن وراء وجودها هو الألهة القابعة في السماء بما لها وما عليها .إنها الدوغمائيةالإنتقائية ( أي الإيمان بدون برهان )  بأبها حلتها وهي التسليم بالأزلي والمقدس بدون أدنى منطق علمي أو رياضي او حتى دليل حسي .

وبالتالي فسبب وجود ونشوء كل ما نراه من العالم المادي يرجع في تفسيره الى ذلك المعنوي والروحاني .. وهذا ما أدى الحال به الى ما هو عليه اليوم من تناقضات هذا الفكر الديني مع العلوم الوضعية .

أما العلم فهو يعتمد المنطق والعقل القائم على الدليل الحسي والبرهان الرياضي كالنظريات والتجارب المخبرية والعملانية والتي تحاول تفسير نشوء الحياة ومنها الإنسان في هذا الوجود المادي .

المشكلة في الفكر الديني إنه بدأ بداية خاطئة وبالتالي فمن الطبيعي أن يصل الى نتائج خاطئة لأنه إعتمد على الفلسفة الغيبية والميثيولوجيا إضافة الى شرطي العلة والحكمة فلكل شيء علة وحكمة من وراء وجوده وخلقه (لكل شيء سبب ومسبب وبالتالي هذا يفترض أسبقية المعنوي على المادي ) وقد أستشهد الفكر الديني على أمثلة وشواهد معروفة لدى الجميع ومنها ( إن الأثر يدل على الدابة والبعرة تدل على البعير وبالتالي فالمخلوقات والمصنوعات تدل على الخالق أو الصانع  )...

وهذا ما أدى به الى تفسير وجود الإنسان بأنه مخلوق وهذا يفترض وجود خالق وهو يستدل على ذلك من الكتب السماوية (الفضائية) مع إغفال الدين الى نقطة أساسية وجوهرية ألا وهي أنه ( لا أحد شاهد منذ بدء الوجود او الخليقة ) كيفية ظهور الحياة او الإنسان على سطح هذا الكوكب او ذاك حتى ينادي بالخلق أو بالتطور والإرتقاء على الطريقة التراجيدية الدينية ..

المشكة الحقيقية هي في بداية النظرة الى الوجود المادي والإنساني البشري فإن نظرنا إليه على أنه مخلوق فالجواب الطبيعي يفترض وجود خالق او صانع ولكن الحقيقة غير ذلك تماماً لأننا لو نظرنا من زاوية أخرى الى الأمر لوجدنا إن هذه الماديات هي موجودات ( تتغير أشكالها تبعاً للظروف والشروط الموضوعية ويدعم ذلك قانون حفظ ومصونية المادةاو الطاقة المعروف ) وليست مخلوقات وهنا الفرق كبير بين الإثنين ( فلم يعد أحد من الموت ليخبرنا بالحقيقة الفصل  ) ..!!

إن النظرة الدينية الى كل شيء تعتمد الغيبيات وترجىء ذلك الى تدخل سماوي حتى وصولنا الى هذه المرحلة من التعقيد في البنية الحياتية وهذا كله لإعطاء بعد روحي وقيمة ذاتية وقدسية لوجودنا على هذه البسيطة مع أن الأمر ربما يكون أبسط من ذلك بكثير ( فوجودنا وعملنا وتضحياتنا هي ما يعطي قيمة وبعد وقداسة للحياة لا أكثر ولا أقل ) لنأخذ مثال بسيط.. إن فرضية الخطاب الديني في صنع الإنسان وخلقه ..إن الله خلق الإنسان من طين او تراب ومرة من صلصل وفخّار.. ..؟؟

فهذا يفترض وبعملية تحليل بسيطة أن جسم الإنسان يحتوي على كميات كبيرة من السيليكون والذي يشكل بدوره المركب الأساسي أي  حوالي (80 %) من التراب المصنوع منه الإنسان ولكن لحظة واحدة فقط من فضلك عزيزي القارىء .. إن العلم الحديث يقول وعبر الدليل الرياضي والتحليل الكيميائي بأن جسم الانسان لا يحتوي إلا على نسبة (0,08 ) من السيليكون والذي هو المكون الأساسي للتراب او الطين...

هذه إحدى الأمثلة الكثيرة التي قدمها لنا الفكر الديني عبر التضليل وإتباع سياسة الوهم عبر تغليف كل معلومة ولو كانت خاطئة بثوب القداسة .. والتي ثبُت خطائها وفشلها والحبل على الجرار كما يقال ...

المشكلة مع الخطاب الديني أنه أغلق الأبواب على البحث والتقصي حول نشوء وظهور أشكال الحياة على هذا الكوكب والكواكب الاخرى فهو يقدم أفكار جاهزة ومعلّبة انتهت صلاحيتها عبر تقادم الزمن بل يقدم نفسه على أنه المرجعية لكافة العلوم الفيزيائية والرياضية والمعرفية وبالتالي يفترض إمتلاكه للحقيقة المطلقة بالعموم حول معرفته الكلية لكل شيء ونسبتها الى كائن افتراضي غير معروف وواضح المعالم بالنسبة للإنسان على الأقل...؟.

(مع الملاحظة إن كل الكتب السماوية وكتّابها لم يعطوا أي وصف حقيقي ومقنع أو عقلاني لهذه الكائنات وتاريخها النضالي ومواعيد تدخلها او عدم تدخلها في حياتنا والشروط والظروف الموضوعية التي تساعد أو تسرّع في عملية ظهورهم وكسرهم لهذا القيد أو حاجز الخجل الذي أوقعوا أنفسهم فيه تحت مّسمى الحكمة من وراء كل شيء ...؟؟) لم يكن هنالك سوى كلمات مطّاطة وعمومية وضبابية .. مجرد كلمات فقط ..!!

ولكن في المقابل إن العلم ينحو منحى أخر عقلاني وموضوعي فهو لا يدعي امتلاكه للحقيقة المطلقة والكلية ولا يقدم نفسه على أنه المرجعية لكل شيء فهو قابل للنقاش والتطوير والبحث والأخذ والرد والتخطئة في كل عصر ومرحلة زمنية وبالتالي عندما يقدم لنا تفسيره حول نشوء الحياة عبر نظريات وحقائق فهو لا يدعي كمالها وقدسيتها وإنما يقول لنا بالفم الملأن إن هذا اّخر ما توصلت إليه حتى هذه اللحظة وبالتالي هذا يفترض أنه بعد عدة عقود او قرون قد يثبت عدم صحتها او صوابيتها وذلك عبر إكتشافه لأمور وتوصله لنظريات أدق وأشمل ..

وهذا هو الفرق الحقيقي والجوهري بين الإثنين إضافة الى أن العلم لا يُلزم أحد بتبني أفكاره ونظرياته وبالتالي هو لا يرتب أية عقوبة او تبعة على عدم إتباعه او الولاء له بعكس العقيدة الدينية والتي ترتب على عدم إتباعها او انكارها القتل والتقطيع وسوء العذاب من تلك الصور الدرامية التي نراها في أدبيات ذلك الفكر الديني الإقصائي المتناقض مع ذاته ..(مع الأخذ بعين الإعتبار إن الدين قدّم كل ما في جعبته وألقى بأوراقه كلها دفعة واحدة ولم يعد يمتلك أي جديد يقدمه .. أما العلم فما زال لديه الكثير من الأوراق والجواكر ليلقيها تباعاً وبشكل مستمر ومتواتر .. وهذا أيضا فرق كبير وجوهري ) على إعتبار أنه تراكمي بطبيعته ..

إن الصراع الوجودي والمصيري بين الفكر الديني من رجاله وأدواته ومن ورائهم ألهتهم الخجولة التي لطالما تخشى الظهور أمام البشر (ربما لأنها تخشى الحسد او صيبة العين بحسب معتقداتها وأدبياتها الغامضة هي ) وبين العلم ورجاله الجنود الحقيقيين في الميدان الإنساني...

إن هذا الصراع هو بين من يدافع عن مصالحه ونرجسيته ومكانته الدينية والقدسية والنفعية بإمتياز عبر تعتيم الحقيقة والفكر الحر لمصالح شخصية لبعض الأفراد والمؤسسات الدينية والإيديولوجية وبين العلم الذي يحاول البحث عن الحقيقة بأدوات معرفية ورياضية وذلك لتحسين ظروف الحياة والمعيشة عبر نبذه للأفكار اللاعقلانية والعبثية والتي قامت على فلسفة الغيبية والأسطورة والقدرية والإتكالية وبالتالي منطق السلبية واللامبالاة في المجتمع وعلاقة الإنسان بالأخر والمجتمع .

ما أعظمك أيها العلم .. أنا على يقين بأن العلوم الحديثة ستحقق قفزات ومفاجأت مذهلة ومدهشة ربما في المستقبل البعيد لذلك علينا أن لا نحاول التذاكي على البعض بقولنا إن العلوم قاصرة على فعل الكثير لأنه وللحقيقة فإن عمر العلوم الحديثة لا يكاد يذكر فهو لا يتعدى مئات السنوات وبالتالي فهو مازال في ريعان الشباب إذا ما قيس بعمر الأنسان (والذي يقدر بمئات ألوف السنوات ) او كوكب الأرض (والذي يقدر بمليارات السنوات والسنين ) على أبعد تقدير .. فالحقيقة لابد أتية في يوم من الأيام ولكن للأسف لن نكون نحن ( أي قارئي هذه السطور ) موجودين لنرى الحقيقة ساطعة سطوع الشمس في كبد السماء ...؟

 

              www.facebook.com/ihab.ibrahem.54

                              www.twitter.com/ihab_1975

                       e.mail:[email protected]                                                         

                gmail:[email protected]