لا تظن يا عزيزي أنني سأكلمك عن حب مثل حب قيس وليلي، عنترة و عبلة، أو روميو و جولييت.. لا يا عزيزي.. إطلاقا.. إنني سأكلمك عن حب أنبل من هذا و هو حب الإنسان للخير.. المتمثل في حبه للعدل.. حبه للسلام.. حبه للإنسان.. حبه للتسامح.. حبه للتضحية.. و لنا في غاندي مثلا كبيرا في هذا.. هذا الرجل الهندي البسيط الذي ملئ كل من عرف عنه أو قابله بهذا الحب.. قد يظنن البعض أن هذا الحب لا قيمة له في عالم يسوده الظلم و جميع صنوف الشر.. و لكن.. حبنا لهذه الأشياء النبيلة الفاضلة سيجعلها في داخلنا و سيجعلنا ننشرها في الأرض فنملئ أرضنا بهذه القيم التي تنبعث في الأصل من إنسان سليم الفطرة.. هذه الفطرة التي تنزعه للخير، لحبه، و لفعله.. و لذلك فإن هذا الحب موجود داخل الإنسان فطريا و لكنه يتلوث بإحتكاك الإنسان بالحياة و المجتمع.. و ما علي هؤلاء الذين فقدوا هذا الحب إلا أن يرجعوا ثانية إلي أصلهم الفطري النقي و أن ينظفوا أنفسهم من قذورات بيئتهم المحيطة التي يتنافس فيها الناس كالحيوانات في الغابة بلا شرف ولا قواعد.. و مازلنا في إحتياج لهذا الحب النبيل لمدواة نفوسنا المريضة التي ربها مجتمع مريض بالعنصرية، الإنحطاط الأخلاقي، الجهل، الجمود في المشاعر، و لو أننا أكملنا لكتبنا ألاف الصفحات عن مدي مرضية هذا المجتمع الفاسد الذي يكوننا و يلعب دور في تأسيس عقولنا.. و لكن.. علينا أن ندرك أن هذا الحب النبيل لا يمكن أن يتكون في بيئة مادية نفعية.. فمفهوم مثل مفهوم "التضحية" (مثلا) من المنظور المادي هو مضحك (كما قال د. عبدالوهاب المسيري) و من هذا نستنبط أن هذا النوع من الحب لا يمكن أن تجده في بيئة مادية لأنه لا يرجع لصاحبه بعائد مادي.. و هذا النوع من الإنسان الغارق في مستنقع ماديته هو إنسان فقد المعني السامي لإنسانيته و هو إنسان حي جسدا و ميت روحا ونفسا.. إنه إنسان حيواني موجود.. الغاية من وجوده هي الأكل، الشرب، و الجنس فقط و لكنه يأتي عند التضحية فيقول أنها هراء محض و كأنه لا يدرك أن بهذا الشكل وجوده هو الذي هراء محض.. و في الجملة الأخيرة أود أن أقول : أن الإنسانية في حاجة شديدة لهذا الحب لأنها علي المستوي الأخلاق و القيم تحتضر و لذلك فإنها تحتاج هذا الحب النبيل ليكون ترياقا لها قبل أن تأزف الأزفة.!