أيام زمان كان العدو واضح ، و الهدف واضح ، و الطريق واضحة ايام زمان كانت مشاكلنا معروفة و محددة بدقة ، و الحلول واقعية و مستمدة من واقعنا و مبنية على امكانياتنا ، أيام زمان كانت ثقافة المجتمع العربي ثقافة وطنية قومية ، و النفسيات العربية مستعدة للبذل و العطاء ...
طبعا ما كانت الأمور عال العال ، لا أبدا ، كان في مشاكل كثيرة ، و أخطاء و خلافات كبيرة .. لكن كان توصيف المشاكل و اسبابها عموما واضح جدا و تقريبا محل اتفاق ، و الحلول لهالمشاكل في خطوطها العامة أيضا شبه متفق عليها ، و الاستعداد للعمل و التضحية في سبيل تحقيقها متوفرين ... كان الاستعمار( و لاحقا الغرب الامبريالي المهيمن بدون احتلال مباشر ، وان بقيت له قواعد عسكرية الى اليوم ) ، و اسرائيل ،و الرجعية العربية ممثلة بحكامنا و بطانتهم ، و حلفاء هؤلاء أو السائرين في فلكهم مثل تركيا ... كان هؤلاء هم الأعداء ، بدون حديث عن عدو وهمي كإيران و الشيعة ، و الأقليات الخائنة ( مع وجود هذه الخيانة لكن بدون تعميمها على مجموعات عربية مختلفة الديانة و الطائفة ) .. كان الظلم الاجتماعي و الاقتصادي - مجسدا بأنظمة سياسية و اقتصادية و اجتماعية غربية التأسيس و الهوى - مشكلة كبرى . كان التخلف الفكري و الاجتماعي المرتبط بالمعطيات السابقة ، و الذي كان حله ليس محض التغيير الفكري و التنظير لسلوكيات حضارية ، بل كان تغيير تقوده الجماهير، تغيير يطال الأنظمة و السلطات الرجعية ،و كل ما يتعلق فيها من افكار و سلوكيات و قيم . كانت الديمقراطية المطلوبة هي الديمقراطية الاجتماعية ،و ليس مجرد ديمقراطية سياسية شكلانية كاذبة .. كان المطلوب ان ياخذ المواطن العربي حقه السياسي و الاقتصادي ، ان يتم توزيع الثروة بشكل عادل على الجميع. كان الحل هو محاربة اسرائيل و الغرب و الرجعيات العربية و حلفاء الغرب الاقليميين و لو كانوا سنة، بل و لو كانوا مسلمين. فالمسلم الذي يبيع نفسه و بلاده للغرب عميل ... و المسيحي او الشيعي او الكردي الذي يحارب الغرب و الاستعمار هو المواطن العربي الصادق و النظيف . كان الحل هو القضاء على الاحتكار و تمركز الثروة و العمل على توزيع الثروة الوطنية بشكل عادل. كان الحل ان يعمل المراة و الرجل ، و ان تتعلم المراة و الرجل ،و ان يكون تحرر المراة جزء من التحرر السياسي و الاقتصادي العام . و كان هذا و غيره ، مجسدا في التيارات القومية خاصة ذات التوجه الماركسي .. و كان لهذا التيار صوته العالي ،و ثقله الكبير،و قدراته العظيمة ،كانت هناك خلافات ،و لكن كانت هناك انجازات عظيمة ... حتى السعوديون كانوا يسايرون عبدالناصر رحمه الله ، و لكن المصلحة الضيقة جعلت هؤلاء يقفون مع الخط الغربي ضد مصلحة الامة ، و كان تأخر الحسم في مصر لصالح الطبقات المظلومة ، و اعتماد التسويات ،و ظهور مراكز في قلب النظام الناصري ذات مصالح ضيقة و المؤامرات و وجود قوى استعمارية صاعدة و فتية ( اميركا ) و الخلافات داخل التيار القومي و غير ذلك .. كل هذا و غيره دمر الحلم.. و كانت الردة السعودية - الساداتية ، و التي كانت ( و لا زالت ) غربية المنطلق و الهوى ، و كان الترويج للإسلام السياسي ، و الاقتصاد الاسلامي و البديل الاسلامي ، مستندين الى واقع الهزيمة المؤلمة في حزيران ٦٧ ،و الذي تم تصويره هزيمة للقومية العربية و زعيمها عبدالناصر ، و كان هذا كذبا صراح، فالهزيمة لها اسباب كثيرة جدا ، منها هؤلاء الذين يتسترون بالدين .. و متغافلين عمدا ، عن حقيقية ان عبدالناصر و القومية ليست ضد الاسلام و لا بديلا له ، حتى ننقلب عليهما .. ان القومية بطبعتها الناصرية / اليسارية / الماركسية ، هي عمل سياسي اجتماعي اقتصادي لا يخالف الدين أبدا، و لكم ان ترجعوا الى الإرث الناصري و عمله في مجال تطوير الازهر و بعثات الازهر و جمع القرآن على الاشرطة لاول مرة ، و تزايد عدد المساجد في زمنه .. اما وقوفه العنيف ضد الاخوان فكان لوقوف هؤلاء مع الغرب و الرجعية و التآمر على مصالح الامة ، فمن هو المسلم الحقيقي؟ عبدالناصر الذي وقف في وجه الغرب. ام الاخوان و السعودية الذين ارتموا في احضان السفارات الغربية ؟ . المهم ، تم تزييف عقول العرب ؛ شراء الذمم باموال النفط ،و تم دعم الاسلام السياسي و الفكر السلفي المتحجر ، و تم دفع عملية الأسلمة بقوة ( كأننا كفار ) ، و تم دعم حركات علمانية يمينية مهدت للتنازل .. كل هذا باسم الدين .. فحاربنا في افغانستان و نسينا فلسطين، و أصبح البنك الاسلامي الذي يعمل في ضمن ،و لمصلحة، النظام الرأسمالي الغربي ، اصبح بديلا للعدالة الاقتصادية الاجتماعية الوطنية التي كان عبدالناصر يعمل عليها . و اصبح الفكر الاسلامي ( المتأسلِم ) بديلا للفكر القومي و اليساري ، حتى لو احتضن هذا الفكر عملاء الغرب من شيوخ النفط .. أتحدث عن فكر اسلامي و عمل اسلامي ، مزيفين ، عن منظومة صممت لمحاربة مشروع قومي كبير ، لم يقف يوما ضد الدين. ، بل كان في جوهره و منطلقاته و اهدافه، متماهيا مع روح الدين العادل و المتسامح و القابل للتأصيل ليخدم القضايا الوطنية و القومية .. المهم، ضعنا و هزمنا ،و الاخطر دمروا وعينا ،و اختلطت الرؤيا ،و لم نعد نعرف العدو من الصديق ، فعادينا ايران و احببنا تركيا ،، عادينا من يقف مع المقاwمة ، و أحببنا من يقف ضد مصالحنا .. و روجنا لأفكار سطحية عقيمة ، و تركنا الفكر الحر المستنير .. فلا دنيا أصبنا و لا دينا .. #خواطري_علاء_هلال