إذا نظرنا نظرة المتأمل المفكر سنجد أن لكل حضارة تحيزات تميل لها.. فالحضارة الإسلامية، علي سبيل المثال، متحيزة تحت ظلال قرآنها و سنة نبيها.. و الحضارة الأوروبية قديما و حديثا تمتلك تحيزاتها فقديما الحضارة الغربية كانت مستترة تحت ظلال دينها و كتابها المقدس و حديثا أصبحت تميل لما يخالف ذلك مخالفة جذرية مثل الليبرالية، التطور، الإلحاد، حقوق الشواذ، و غيرها من التحيزات التي يميل لها الغرب.. و هكذا كان الأمر عند المصريين القدماء، اليونانيين، و جميع الحضارت عبر التاريخ الإنساني.. و لذلك فالقداسة أمر طبيعي يميل له الإنسان لدوافع نفسية معينة قد نجد لها تحليلا في علم النفس.. و يأتي سؤال و هو: لماذا القداسة.؟ و للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نري مسألة القداسة رؤية عميقة ترينا كيف أن القداسة عامل حضاري مهم و أنه قد يهدم و قد يبني قي نفس الوقت.. فالقداسة تبني من الحضارة نموذج محدد غير مشتت و بذلك سيكون لدي هذه الحضارة طريق له أخر مرسوم عن طريق هذه التحيزات و قد يكون الطريق للهاوية أو النهوض.. و لكن هناك مأزق نقع فيه بسبب القداسة و هو مأزق الحيادية في الحكم ، التفتح، و التعامل مع المختلف من الداخل و الخارج.. فالحضارة الغربية في العصور الوسطي و في العصور الحديثة وقعت في مأزق التعامل مع المختلف فكانت ترد بالقوة و القمع للآراء المختلفة داخليا و خارجيا (حتي في العصر الذي يدعون فيه تتمتع أوروبا بالحرية الليبرالية).. و كذلك الأمر في الحضارة الإسلامية في مشاهد تعاملها مع الأدباء و الفلاسفة المخالفين من أمثال ابن رشد، ابن سينا، أبو العلاء المعري، ابن المقفع، و غيرهم و من المعاصرين الحداثيين و العالمنيين الباحثين الكثيرين.. و أنا لا أبرر التعدي علي القداسات في الحضارات و لكنني أدعوا إلي المواجهة.. العقل بالعقل.. الفكر بالفكر.. النقد بالنقد.. و لنأخذ مثال بسيط و هو نصر حامد أبوزيد فقد رفع عليه الأزهر قضية قانونية و طالب بإتخاذ إجراءات قانونية ضده بسبب كتبه الفكرية و لكن ماذا لو تم أخذ سياق المواجهة الفكرية.. بل هذا هو المطلوب الفكر بالفكر لنرتقي بالفكر والعقل بالعقل لنرتقي بالعقل و النقد بالنقد لنرتقي بالتفكير النقدي.. و غير أبوزيد و بالرغم من أنني أختلف مع حداثة أبوزيد و لكنني أري أنه من الأولي أن نواجه لا أن نرفع قضايا قانونية قد يفهم منها أننا ضعفاء الحجة.. و الذي أدعوا به في هذه المسألة هو مادام الباحث، الأديب، الفيلسوف، أو غيرهم لم يسب أو يسئ بل فقط قدم أطروحات مخالفة مبنية علي أساس بحثي أو فكري ففي هذه الحالة المواجهة أما إذا سب أو سخر فهنا نرفع القضايا القانونية و هذا لن يعفينا عن المواجهة طبعا.. و في مسألة التفتح، نحن أمام أمر في أيدينا أن نضع له ضوابط و لا نجعل منه تحدي أو مكروه.. فالفكر الغربي إذا إنغلقنا عنه لأنه يخالفنا فهذا سيؤدي بنا إلي الجمود و التخلف.. أما التفتح المتطرف سيؤدي بنا إلي فقدان الهوية.. و لذلك فعلينا أن نضع منهجية للتفتح كي لا نفقد هويتنا.. و أما مأزق الحيادية فهو مأزق حقا و ليس وهمي.. و لكنه عقدة لها حل.. فالحيادية هي أن تصدر أحكاما غير متحيزة لطرف علي أخر و لتخطي هذه المشكلة يجب أن ندرك أن الحيادية مشكلة معقدة نظرا إلي إتصال المسألة بألاشعور.. و لكن يمكننا أن نصل لهذه المرحلة بشكل نسبي فلا يوجد أحد حيادي بشكل مطلق لأن الإنسان بطبيعته ينشأ في بيئات تشكل له الوعي و اللاوعي و الشعور و اللاشعور فحتي عندما تستقل في منطقة الوعي  و الشعور فأنت لن تستطيع التحكم علي اللاوعي أو اللاشعور.. و لذلك فالوصول لهذه المرحلة كامن في التحكم في الوعي و الشعور فقط.. و مع ذلك فالإنسان يستطيع أن يصل إلي درجة مذهلة من الحيادية في الحكم وعند الوصول لهذه الدرجة المذهلة نستطيع أن نقول علي صاحبها تنويري.