ما هو من الضرورة في حياة الكاتب: أن قلقه الوجودي المتمثل في "ذاته" لن ينتهي! وما لم يصدق من يحترف الكتابة بأنه لن يجد فيها قصده من التشافي؛ فلا ينتظر من نفسه أن تصبح ذاتا كاتبة بحق الكتابة من تاريخها.

الخيبات المستمرة مما يلتهم بشراهة تجارب الحياة عند الكاتب لا تفوت فرصة في أن تجدد عليه أرق السؤال: من أنا؟ ولماذا أتيت؟ وإذا كنت حقا قد اخترت هذه الحياة فلماذا -حتى اللحظة- لا أعرف من أنا فيها؟! 

مغامرات البحث عن الذات المجردة تُدخِل الكاتب في غيبوبة عن تمثلات الواقع، الأمر الذي يسمح له بالسياحة في أدراج الرياح وتقلبات النجوم، وما بين عتمة وأشد من العتمة، تنضج رؤيا هي أفصح من البيان، ما تلبث أن تهبط مشروعا كتابيا- من نوع ما- وفيما يظهر أن ثمة جواب قد تحقق، إذ بالتيه يستقر تارات أخر في هذيان متصل للبحث وراء عمق جديد للذات، ولا عجب أن ذات الكاتب لن تصل لنفسها يوما، لأنها -وببساطة- لا ننقضي من نفسها مطلقا.

جوع الذات لنفسها؛  أقسى مهارات الكتابة التي لا يفطن الكاتب في أول أمره أنه ينميها على إرادة واعية منه. حتى إذا ابتلي بصراخ الجوع في عقله أيقن أنه في جهد لا مفر منه ولا مستقر له؛ ألا إنه الكتابة، قلقه الغض .