دائما ما نتسائل في الأوساط الأدبية عن دور الأدب (بمختلف أنواعه) تجاه الواقع.. هل مهمة الأدب هي إعكاس الواقع علي صورة رواية (مثلا).؟ أم الإعكاس مع إعطاء الحل في حال وجود مشاكل.؟ في الحقيقة ، إذا جئنا في التحدث عن واقعنا العربي سواء أن كان الإجتماعي أو السياسي فنحن نتكلم عن واقع تراجيدي إلي أبعد حد.. فمجتمعاتنا أصبحت الأن تعاني من أوبئة غير هذه التي تقتل بل إنها أوبئة من نوع أخر و هي أوبئة تتمثل في ظواهر إجتماعية مأسوية مثل الإنحطاط الأخلاقي، إنتشار التحرش الجنسي، التفكك بين أغلب فئات المجتمع، و غيرها من الأوبئة الإجتماعية.. و الأصل في هذه الأوبئة هو النفس المريضة لأفراد المجتمع التي تنعكس من خلال أفعال هؤلاء الأفراد المتمثلين في هذا المجتمع.. و أما في الجانب السياسي فأنا لا أحتاج للتفسير فكل شئ واضح للملأ و ما قيل قد قيل و سيقال بلا أي قيمة.. و من هنا يأتي سؤال و هو : هل مهمة الأدب هي أن يعكس هذه المشكلات (بشكل مباشر أو عن طريق إسقاطات غير مباشرة) فقط أم يجب مع إبراز المشكلة تقديم حل.؟ في البداية نريد أن ننوه إلي فكرة عرض الواقع بطريقة غير واقعية و هي فكرة أن الكاتب يعرض مشكلة إجتماعية مثل المشاكل العاطفية بطريقة مضخمة من هول الأمر و كاتب أخر يعرض مشكلة الإنحطاط بتفريط و كأنها مشكلة غير مهمة.. و المشكلة في هذا الأمر هو أنه يصرف القراء للتفكير في هذه المشاكل الواقعية الإجتماعية و لكن بطريقة ناقصة أو زائدة و غير صحيحة و لذلك فيجب علي الكاتب في كتابة عمله الأدبي أن يعرض الواقع عرض واقعي وسطي.. و بعد ذلك ننتقل للجواب عن سؤالنا و سنبتدء الجواب بتبسيط السؤال بالقول أن الأدب في كلتا الحالتين سيعكس الواقع و نعدل السؤال فنقول : هل يجب أن يقدم الأدب الحل مع المشكلة.؟ سأبدأ في حل هذه المعضلة بالقول بأن الأدب مرن من حيث التقديم فإنه لا يحصر في إتجاه واحد.. و لذلك فالجواب عن هذا السؤال سيتمثل في الجملة الأتية : الأدب فن مرن في طريقة التقديم فإنه لا يفرض علي الكاتب أن يضع حل للمشكلة وفي نفس الوقت لا يمنعه من ذلك.. فجورج أورويل، مثلا، في رائعته 1984 عرض الحل لمشكلة الحكومات الشمولية في بعض مناطق الرواية مع عرض المشكلة السياسية و غير أورويل ممن فعلوا مثله و عكسه.. و لو أننا حصرنا الأدب في نمط واحد ما كنا لنري المدارس الأدبية المختلفة مثل الواقعية، الموضوعية، العبثية، الحداثية، و غيرها من المدارس الأدبية.. و الفن بشكل عام و الأدب بشكل خاص لو تم حصرهم في أنماط معينة في التقديم سنقتل روح الإبداع فيهم و في هذه الحالة سنجد أنفسنا في أزمة ثقافية مأساوية.. و لذلك فيجب علينا أن نرجع من يريد أن يجمد الأدب حتي لو كان هذا الشخص أنفسنا.. الأدب فن و الفن إبداع و الإبداع يعني المرونة و لولا الإختلاف ما أبدعنا.