بسم الله الرحمن الرحيم
حول اللقاء التربوي بتاريخ 28/11/2014 بصفرو
كان موضوع اللقاء لأساتذة العلوم الفيزيائية معية مؤطرهم يتمحور حول "برنامج الارتقاء بمهارة القراءة" ، و كان الهدف الأساس محاولة مساعدة التلميذ(ة) على الارتقاء بالمستوى التحصيلي في مادة العلوم الفيزيائية . لقد لوحظ تدني مستوى التلاميذ في هذه المادة لعدد من الأسباب ،أجملت في علاقة هذه المادة بالرياضيات (لغة العلوم الفيزيائية ) التي يعرف التلاميذ عدة تعثرات فيها ،في ضعف قيام الأسر بواجبها في التوجيه و المراقبة الدائمين، في الطابع التجريبي للمادة و الظروف التي تنجز فيها هذه التجارب(إن أنجزت)، في الحمولة التي يصل بها التلميذ للسلك التأهيلي في الشبكة العنكبوتية و الفضائيات و الهواتف المحمولة ..إلخ
لقد بدا جليا أن أحد المداخل ذات الأولوية- و الذي قد يلطف من الوضع الكارثي – هو الارتقاء بمهارة القراءة لدى التلاميذ ؛ حيث المشاكل و العوائق متعددة تحول دون استيعاب و فهم التلميذ للنص. هذا الضعف المهول للتلميذ في اللغة مصطلحا و جملة و تركيبا و مفهوما .. ينعكس سلبا على تحصيله في العلوم الفيزيائية.
من خلال عرض السيد المفتش و مداخلات السادة الأساتذة -التي كانت تعكس قلقا واضحا تجاه الوضع- ظهر أن مشكل القراءة هو مشكل ثقافي تربوي يهم المجتمع قاطبة حيث المرتبة الغير مشرفة للمغرب في مجال القراءة. مسألة تجعلنا – نحن أساتذة العلوم الفيزيائية- نحاول أن نقدم اجتهادات في هذا الصدد لأن البرامج المسطرة و التعليمات الموجهة و القررات المعدة..كل ذلك كانت نتيجته ما نحن عليه ، و بالتالي كان الاجتهاد في مثل هذه الظروف ضروريا ويشكل فرض عين. و سيكون هذا الاجتهاد أجدى و أنفع إذا أنصت البعض للبعض و قوم أحدنا الآخر لبلوغ صيغة جماعية تستطيع أن تنقذ ما يمكن إنقاذه.
أعتقد أننا بدأنا نبلور – خلال الاجتماع- الخطوط العريضة لهذه الصيغة التي تتكئ على القراءة أولا و الاهتمام الشديد بالنص قراءة وتفكيكا وفهما و استخلاصا للمعاني و وقوفا على المعطيات التي غالبا ما تشكل عناوين و إشارات تحيل على العلاقة أو القانون الواجب استحضاره لحل السؤال. هدفنا ههنا أجرأة هذه المقاربة و دعوة الاخوة لتنقيحها و التفاعل معها بالطرح و الإضافة.
اسمحوا لي بدعوتكم لمشاركتي حصة العلوم الفيزيائية : بعد النداء لضبط الغياب، يطرح السؤال المعهود و المنتظر" ماذا رأينا في الحصة السابقة؟" هو سؤال تستطيع من خلاله معرفة مدى اهتمام التلميذ بواجباته بالمنزل و مراجعة دروسه ،ثم مدى تمكن التلميذ من صياغة ما درس في الحصة السابقة بلغته ؛فقد يصف تجربة أو موضوع تمرين أو ملخصا.. وهذه المشاركة التي قد تحرج التلميذ أمام زملائه و زميلاته تشكل وسيلة تدفعه أن يهيئ لهذه اللحظة و بالتالي نبلغ هدفنا ؛إذ ندفع التلميذ للاهتمام أكثر بدروسه . غير أن هذه الطريقة قد تحتاج لجهد كبير وحكمة عالية و صبر جميل.. حتى ينخرط فيها أكبر عدد من المتعلمين .إن هذا السؤال الافتتاحي لكل حصة ليشكل بحق جوهر" المراقبة المستمرة "بامتياز حيث استمرارية المراقبة بالفعل، أما الفروض الكتابية فتشكل مراقبة متقطعة غير مستمرة . لهذا السبب وجب توظيف نقطة المراقبة المستمرة بشكل يدفع التلميذ للعمل المتواصل المستمر؛ وقد يعاد النظر في الطريقة التي تحتسب بها نقطة المراقبة المستمرة لتساهم في رفع اهتمام التلميذ. لقد ارتفعت –عندي- جرعة القراءة خلال الحصة ؛ حيث مطالبة التلاميذ بالقراءة عدة مرات ،ثم تطرح الأسئلة حول النص في ذاته ( الظاهرة التي يعالجها النص- الافكار الواردة في النص- الوقوف على بعض الكلمات لمعرفة معانيها و قد يطلب من التلميذ أن يركب جملة مفيدة بهذه الكلمة ..)
من المعلوم أن عوامل متعددة ساهمت في حالة المدرسة المغربية اليوم ؛فالموضوع شاسع متشعب، والأزمة التربوية التي نعيشها بنيوية، إلا أن السؤال الذي يطرحه كل واحد منا في مثل هذه الظروف هو: ما الدور الذي يجب علي أن أقوم به من موقعي لإبراء ذمتي و القيام بما في وسعي؟ حينها قد أمتلك الجواب عن السؤال الذي سيطرحه علي يوما التاريخ و الله جل جلاله حول مسؤوليتي عن المدرسة المغربية .إن مشاورات عدة أنجزت في الأيام القليلة الماضية حول حالة المدرسة المغربية (الوضع و الاقتراحات) في إطار المجلس الأعلى للتربية و التكوين والبحث العلمي، غير أنه يغمرنا إحساس بأن هذه الخطوة ستلقى نفس المصير الذي لقيته المبادرات السابقة. لهذا نعتقد أن المبدأ" من هنا و الآن" يجب أن يفعل ؛فما عرض علينا من طرف السادة الأساتذة يعكس بشكل واضح أن التلميذ لا يراجع في بيته ولا يقرأ و بالتالي أصبح الفصل تلك القلعة الأخيرة التي وجب أن تقوم بأكثر من دورها، لأن القلاع الأخرى للتربية استسلمت.. في القسم/الفصل يجب أن تنجز اليوم مهام إضافية ،لتغطية النقص الذي تعرفه الأسرة و الشارع والإعلام و.. و في مجال التربية. مهمتنا اليوم – كأساتذة - تتطلب مضاعفة الجهود و التحلي بكثير من الصبر و تفهم أوضاع التلميذ في الأسرة و الشارع و خارج القسم بشكل عام. لذا أقترح أن يصبح السؤال :"ماذا رأينا في الحصة السابقة؟" جوهريا ،أساسيا ؛قد تصاحبه قراءة مكتوب الحصة الماضية و الوقوف على أهم الأفكار و القوانين و العلاقات، فذلك يمكن أن يعوض النقص الحاصل لدى التلميذ من حيث التأطير و التوجيه في أسرته .هذه المقاربة قد تنتشل مجموعة إضافية من التلاميذ من بحر الكسل وتشجع آخرين على محاولة الاجتهاد. فلا شك أن هذه المقاربة تتطلب منا كثيرا من الصبر على التلاميذ و هم يسمعوننا تعبيراتهم التي نقابلها بالتشجيع والتقويم والتصحيح، الذي لا يترك أثرا سلبيا في نفسية التلميذ أمام زملائه و زميلاته. و هي الطريقة التي تشجع المتكلم أن يتكلم مرات أخرى و تدفع زملاءه للانخراط و المشاركة. لايسع رجال و نساء التعليم اليوم إلا أن يحترقوا كشموع تضيء ليل الجهل و الأمية، و هي الرسالة الشريفة التي جاء بها الأنبياء و الرسل لإخراج الناس من الظلمات إلى النور. فليس صدفة أن يكون العلماء هم ورثة الأنبياء، ويكاد المعلم أن يكون رسولا. تحتاج هذه الطريقة لتظافر الجهود ، و قد يشكل درس "نموذجي" ،يحضره الإخوان الأساتذة ،أداة لأجرأة هذه الطريقة و البحث في تفاصيلها ،ليعم النفع و نكون قد اجتهدنا لنقدم لأبنائنا ما هم اليوم في حاجة ماسة إليه. و الله ولي التوفيق، والسلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.
*** رباط الخير 01/12/2014 *** عبدالرحيم سنهجي