حكايات أبو ذيبة خبير الارض الحلقة 2
رحيم الخالدي
نبعد إتصال عدد من الأصدقاء, لإستكمال حكايات أبو ذيبة، وحسب قولهم أنه من غير المعقول حصر الإنتصار على عصابات داعش التكفيري في حكاية واحدة، إتصلتْ بصديقي الذي عرفني بالمجاهد "أبو ذيبة"، لترتيب لقاء للبدأ بسلسلة قصص, لتكون بين الحين والآخر توثيقا لحكاية من حكايات الجهاد، الذي أخذ صدى واسع، مما جعل العالم ينظر للحشد كقوة لا تقهر، ومن هذا ترتجف الكراسي الهزيلة من الوقوع جراء إستهداف الحشد، ونعته باتهامات لا تتصل للواقع بصلة، ومنهم من يطالب بِحلّهِ لإنهاء وَجُوُدِهِ! .
وافق على أن تكون على شكل حلقات مبدياً إستعدادهُ على السرد، خصوصاً عندما قلت له إنه ليس طلبي بل بطلب محبين لتلك البطولات, فقال بلهجته الجنوبية المحببة (أنا خادم)، فأخجلني بكرمه وحسن الإستقبال والحفاوة، مما أعطاني حافزاً قويا، مع أنني كنت متخوفا من عدم موافقتهِ، لأنها تأخذ وقتاً منه وتفرغا لنا للسرد، لكنه وافق على أن يروي لنا حكايتين سنذكر واحدة منهما الأن, منعا للملل, ومراعاة لإلتزامات الرجل ودوامه وواجباتهِ.
بدأ الكلام متحيراً ويقول الحكايات كثيرة، ولا أعرف من أيهما أبدأ، وبدأ الضحك والمزاح, فقلت له أرح أعصابك وأبدأ من أيها شئت, فكل الحكايات جميلة وممتعة، فتبسم قليلا ثم قال, حسنا تذكرت واحدة مميزة لي.
حط رحاله عند (وادي ثريثر )، مستدركاً القول أنني منتسب للعمليات المركزية للحشد الشعبي، حيث كان المقر الذي وصلنا اليه بعد التحرير منطقة "تل قصب"، التابعة لقضاء "سنجار" الذي يسكنه أخوتنا من الطائفة "الأيزيدية" فكان إتجاه هذه العملية، بعد إتصال جاءنا من (سيّد مختار) آمر لواء الثالث والخمسون، على أننا معزومون على وجبة غداء، قلت له حسناً سنأتي حسب الموعد, وهي رمزية لنا أن هناك معركة أو إشتباكاً, يجب خوضه
إنطلقنا بصحبة الأخوة المجاهدين وهم كل من السيّد أحمد النصرالله معاون السيد قاسم المصلح، وعدي أبو زهراء خبير المتفجرات، وأبو معصومة والشهيد أبو عبدالله الغزالي، ومجموعة من الشباب المجاهدين.. تسابق خطواتهم المسافات متلهفين للقاء العدو، الذي يستغل المدنيين والنازحين للإختباء، خشية التصادم مع الحشد، الذي أذاقهم مر الهزيمة.. إتجهنا صوب تلعفر منطلقين من المقر المسيطر، وفي منتصف الطريق المسمى (المكسر) وتبلغ طوله عشرين كيلو متراً، شاهدنا سيارة مدنية مختلفة الإتجاه ذاهبة صوب منطقة (أبو راسين) .
لحقنا بتلك السيارة تاركين الذهاب صوب تلعفر، متناسين الوقت وكان قرب تلك القرية وادي يسمى (وادي ثريثر)، فأوقفنا السيارة محذرين إياهم بسبب تواجد المدنيين بتلك المنطقة، كونها ساحة عمليات ومن غير الممكن تواجد المدنيين فيها، لأنها منطقة خطرة ويمكن للعصابات التكفيرية التواجد بها للإختباء، فسلمنا عليه وبدئنا المزاح معهم بالنكات التي نحفظها, لتنسينا المسافات والحالة النفسية، فقال لي كلفني أحد الضباط بالتحري عن المنطقة، وعن تواجد الإرهابيين في ذلك الوادي، وبما أننا لم نكن متهيئين للمعركة فكانت أسلحتنا بسيطة سوى البنادق وسلاح "الميك ناينتين" والمسدس .
رافقنا ذلك المدني باتجاه القرية آنفة الذكر، وكان الوقت يقارب الحادية عشر قبل الظهر، بدأنا البحث بالقرية الى أن وجدت بقعة من الأرض فيها ماء جديد، كأن أحدهم قد إغتسل هنا، وهي علامة لوجود شخص ما.. فبدأت ساعة الجد والحسم، عندها تغيرت ملامح الرجل, فقال أنا الوحيد لأهلي, ولدي عائلة ولا اريد الدخول بمعركة مجهولة النتائج، فودعناه متمنين له سلامة الوصول، ومن الفور بدأنا بإعداد خطة سريعة لمحاصرة المجموعة، التي اتضح عددها بعد حسم المعركة .
بعد إبتعاد المدني أمسك كل منا أنا وعدي بمسدساتنا الشخصية، متجهين صوب الغرفة القريبة من بقعة الماء، حيث كان الباب مغطى ببطانية لحجب اشعة شمس الظهيرة اللاهبة، فكانت الصدمة حين أزحت تلك البطانية، فقد كانوا نائمين كسمك التونا في العلب، على ثلاث صفوف, الا واحد، كان مستيقظا وتلاقت الأعين بقربه سلاح رشاش منزوع المخزن، فعالجته حين إمتدّت يده للمخزن، هاتفاً بكلمة "الله أكبر" وعاجلته بإطلاقة من مسدسي أصابته إصابة مباشرة وكان مرتديا حزاما ناسفا .
بعد تلقي ذلك الإرهابي اطلاقة مني، إنفجر محدثاً فجوة بجدار الغرفة، قاضيا على من كان بقربه مرسلا بهم لجهنم على وجه السرعة، بينما إستيقظ من كان نائما ولم يؤثر به الإنفجار، حاملين أسلحتهم من دون أخذ بقية المخازن، وجرى الصدام معهم وبدأنا مشاغلتهم لحين نفاذ عتادهم.. كان الإرهابيون مجموعة مسؤول عن إعدامات سجن بادوش، وهو معهم وبعد تمترسهم بباقي الغرف تم رميهم بالميك ناينتين، وقد أحدث أثرا كثيراً وبدأ الرعب والخوف يدب بهم .
كان برفقتهم أربع رجال أذربيجانيين و كذلك أربع نساء ، وربما كن تلك النسوة قناصات داعش، التي يرتكز عليهم بقتل مجاهدينا في المعارك، بعد ذلك جاءني أبوعبدالله مسرعا وأعطاني سلاحه والمشلح، وقال لي إن هذه الزمرة من الإرهابيين كبيرة العدد، ونحتاج لوضعهم في زاوية بغية القضاء عليهم، بدورنا إتصلنا بطيران الجيش فلم يستطيع ضربهم لقصر المسافة بيننا، فدامت المعركة ساعة قتلنا منهم سبعة, وبسرعة تم حجزهم بثلاث غرف فخرج الينا أحدهم رافعا يديه مرتديا حزامه الناسف، بغية مشاغلتنا بالكلام يروم تفجير نفسه علينا .
سألناه كم عددكم قال نحن اثنان وعشرون هنا بعد يأسهم قدم الينا أحدهم وكان مصاب إصابة بليغة بساقه، وقد تم تجريده من ملابسه، ووصل الينا قمنا ببتر رجله المصابة بشكل سريع، وتم ربط الفخذ بحزام لقطع النزيف، لكن الباقين أبو التسليم.. وبعد لحظات سمعنا دوي إنفجار, حيث إتضح أن أحد تفجر حزامه الناسف، وقد خرج الباقون بالتسلسل أيهما يخرج نرميه ينفجر، وماهي الا لحظات حتى دوى انفجار آخر، حتى إنتهت تلك الزمرة لجهنم مسرعة, بفضل سلاحهم وسلاحنا .