تفاعلت الأوساط التعليمية والمجتمعية بشكل كبير مع قرار وزارة التربية والتعليم مؤخراً بفتح باب التطوع لحملة المؤهلات التربوية لسد العجز في صفوف المعلمين بالمدارس الحكومية. وقد تباينت ردود الفعل بين مؤيد ومعارض للأهداف المبطنة لإتخاذ هذه الخطوة، خاصة مع عدم تفسير بعض البنود الواردة في الكتاب الدوري المتعلق بهذا القرار وإحتمال تفسير هذه البنود على عدة أوجه. فدعونا نسلط الضوء على أهم الأبعاد التربوية لقرار التطوع في المدارس بعيداَ عن أي تحيزات ضيقة واستناداً لبعض نتائج الدراسات الحديثة وتوقعات بعض المختصين التربويين.

وفقاً لتقرير حالة التطوع الصادر عن الأمم المتحدة عام 2018، تبلغ نسبة المتطوعين في مصر مليون وسبعمائة ألف (1,700,000) متطوع، وهو مايوضح أن نسبة التطوع في مصر لايتجاوز 2 % من إجمالي عدد السكان فوق 18 عام. كما تحتل مصر المرتبة 50 من بين 68 دولة تم إحصائها في هذا التقرير. ويضيف التقرير أن تفضيلات الشباب المصري للتطوع تتمثل في مجال الجمعيات الخيرية بنسبة (43 %) وهو مجال قصير الأجل مقارنة بالمجالات طويلة الأجل مثل المجال التعليمي والذى بلغت نسبة التطوع فيه (18 %).

وتشير دراسة علمية للدكتورة أماني قنديل (2017) إلى أن الإقبال الضعيف الملحوظ للشباب المصري للتطوع يمكن في عدة أسباب أهمها الأزمات الإقتصادية المتلاحقة وظروف المعيشة الصعبة، فضلاً عن السياسات البيروقراطية التي تنتهجها المؤسسات الحكومية، واستغلال الشعارات الوطنية فقط كوسيلة لجذب المتطوعين، وعدم وجود إطار قانوني واضح منظم للعمل التطوعي في المؤسسات الحكومية عموماً والقطاع التعليمي بشكل خاص.

فالنظام التعليمي المصري له علاقة متباينة مع العمل التطوعي، حيث بدأت هذه العلاقة عام 1989 حينما صدر القانون رقم (8) لعام 1991 الخاص بمشاركة المتطوعين في جهود مكافحة محو الأمية. وعلى الرغم من الحملات الدعائية التى واكبت هذا القانون وتوافر عدد المعلمين في هذا الوقت تراجعت جهود محو الأمية بشكل ملحوظ طوال السنوات العشر الأخيرة، حيث لازال هناك أكثر من 18 مليون أمي في مصر لايجيدون القراءة والكتابة.

وقد زادت هذه العلاقة تبايناً مع إقبال الوزارة حديثاً على فتح باب التطوع ولكن هذه المرة لسد عجز المدرسين أنفسهم. فقد اعترف النظام التعليمي منذ عام 2019 بمواجهته عجزاً صارخاً في أعداد المدرسين الحكوميين بمعدل 230 ألف معلم في مختلف المدارس الحكومية. واكب ذلك إعلان الوزارة عن إطلاقها لأكبر بوابة إلكترونية – على حد قولها – لاستهداف التعاقد مع 120 ألف معلم لمدة عام تجدد لثلاثة أعوام لاحقة، بتكلفة مليار و600 مليون جنيه.

إلا أن هذه الوعودات والطموحات ذهبت أدراج الرياح أو ظلت حبيسة الأدراج مع استفحال أزمة كورونا وإغلاق المدارس. الغريب أنه مع عودة الحياة التعليمية إلى طبيعتها لم يتم إحياء فكرة التعاقد مع 120 ألف معلم أو حتى 36 ألف معلم مجدداً، وبدلاً من ذلك صدر قرار فتح باب التطوع للعمل بالمدارس بدون مقابل. وهو مايكشف تناقضاً كبيراً بين الوعودات التي أطلقتها الوزارة مع تدشين بوابتها الإلكترونية في عام 2019 وبين ماتفعله الآن. ومن المضحكات المبكيات، أن أولوية التطوع جاءت للمعلمين المتقاعدين فوق 60 عام، علماً بأن أحد أسباب مشكلة العجز هو أن أعداداً كبيرة من هؤلاء المعلمين فضلوا التقاعد المبكر بين سن 50 و 55 عام.

إن المشكلة لاتكمن في عدم وجود الدوافع لدى الوزارة لتوظيف معلمين جدد لأسباب إقتصادية الكل يعلمها. ولكن المشكلة الحقيقية تكمن أنه حتى مع وجود قوانين حكومية للتطوع في المدراس وفي ظل وجود توجهات إيجابية مؤخراً تجاه العمل التطوعي، لايوجد تصور واضح عن ربط العمل التطوعي بجهود التنمية الفردية والمجتمعية. فالكتب الدورية الصادرة من الوزارة لم تحدد آلية الإستفادة من قدرات المتطوعين أو إستثمار قدراتهم في أعمال إدارية تربوية لاتقل أهمية عن التدريس الصفي. كما لم تتضح آلية محددة لتدريب المتطوعين أو إصقال خبراتهم بالدورات والأنشطة التدريبية والتربوية المكثفة. ولايوجد رؤية واضحة نحو تعظيم الإستفادة من قدرات المتطوعين مستقبلاً.

إن العمل التطوعي ثقافة تربوية في حد ذاتها يجب أن يتربى عليها أفراد المجتمع منذ الصغر، إلا أننا نواجه معوقات إجتماعية وإدارية وتنظيمية تضعف من تقبل قطاع كبير من أفراد المجتمع لفكرة العمل التطوعي. وسنظل بحاجة إلى تغيير ملحوظ لطريقة تعامل المؤسسات الحكومية وخاصة المؤسسات التعليمية مع المتطوعين.

المراجع

فيصل عبد الله. (2021). سياسات العمل التطوعي في مصر. مجلة السياسة والاقتصاد, 11(العدد (10) أبریل 2021), 1-29.‎

أماني قنديل (2017) الجمعيات الأهلية في مصر وسنوات المخاطر.

Khadr Fathi (2010) SOCIETAL EFFECTS OF SOME SOCIAL FUND DEVELOPMENT PROJECTS IN RURAL AREAS 6th OF OCTOBER GOVERNORATE. Journal of Agricultural Economics and Social Sciences, 1(10), 1039-1051.‎