بسم الله الحمن الرحيم
قراءة أولية في كتاب:
" المشروع الشخصي للمتعلم" في ضوء الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030
من التصور إلى التنزيل الميداني
لصاحبه : ذ.عبدالعزيز سنهجي
لا شك أن الكتاب هذا الموسوم بالمشروع الشخصي للمتعلم جاء ثمرة لعدد من الأعمال السابقة و التي اهتمت بالمتعلم ؛ حيث عناوين مختلف هذه الانجازات بالصفحات 161-162-163من الكتاب . فالكتاب إذن يشكل تجميعا متناسقا لمجموعة أفكار تهم عملية التعليم والتعلم والتي سبق للمؤلف أن عالجها في كتب ، ندوات ،ولقاءات...إلخ. إن الكتاب ليشكل إضافة نوعية تغني المعرفة في هذا المجال و تساعد كل من الآباء و الأمهات و كذا المعلمين و المتعلمين و كل من له علاقة بالعملية التعليمية ، بل ويمكن أن يشكل زادا و عونا لكل راغب في إنشاء /تطوير مشروعه الشخصي في مختلف الميادين كالتجارة و الصناعة و الفلاحة ...إلخ . فكل إنسان في مجال تخصصه يحتاج إلى مشروع شخصي لمعرفة قدراته و إمكاناته ،ثم معرفة فضائه و وسطه و ذلك بغية تحديد الاتجاه الأصح الذي يمكن من بلوغ الأهداف بأقل الخسائر و بأقصى المكاسب و في أقل مدة زمنية ممكنة .
إذا عدنا إلى المؤسسة التعليمية التي جاء الكتاب من أجل تجويد أدائها عبر تجويد أداء متعلميها ، وجدنا فضاء يضم مختلف الطبقات و العقليات و المبادرات و الاجتهادات و الممانعات و الصراعات و التدافعات ، تحاول الدولة – بكل ما أوتيت من وسائل و أدوات- أن تقود كل ذلك في اتجاه معين . إن المدرسة كانت دائما – ولا تزال- فضاء مساعدا للدولة على تنزيل "مشروعها الشخصي"و الذي – كما لا يخفى على أحد – هو إعادة الانتاج بمقاربة تروم المحافظة على خريطة الثروات والامتيازات . و قد تحاول أحيانا توجيه السفينة –التي تقل الجميع- في اتجاه آخر عندما يظهر لها أن الوضع الحالي قد استنفد إمكاناته و أصبح يشكل خطرا على المشروع . إن أي مشروع –بما فيه المشروع الشخصي للمتعلم- لابد أن تتدافع معه مشاريع أخرى ، تماما كما التدافع بين الناس ؛فيؤدي ذلك إلى إغناء المشروع و تلقيحه وتمتينه ، شريطة التزام قوانين التدافع المتمثلة –مثلا- في العدل و المساواة و تكافؤ الفرص...إلخ ، و ذلك ما لا يتحقق- للأسف الشديد- في كثير من الأحيان نظرا لتراجع القيم السالفة الذكر في مجتمع أضاع مشروعه و أصبح يعيش فوضى مكنت من هيمنة اللانظام على النظام و اللامهيكل على المهيكل ...إلخ.
هل تساءل الكتاب الذي بين أيدينا عن دور المدرسة اليوم ؟و هل تموقع حقيقة من هذا الدور، أم سكت كما يسكت الكثير اليوم عن هذه الأمور التي كادت تقضي على المدرسة، مقزمة دورها في قيادة المجتمع. فالكتاب ركز على الجانب التشغيلي (خلق فرص الشغل) ، و هذا جانب مهم جدا ؛ فالتشغيل أصبح من المعضلات الكبرى لمختلف الدول ،و الذي يشكل عاملا محددا للاستقرار و التنمية . و في هذا الجانب تماهى الكاتب مع الطرح الرسمي للدولة المغربية ؛حيث الاهتمام المتزايد بالتكوين المهني لخلق مناصب الشغل مع بهوت في الاهتمام بالمدرسة و برامجها و أطرها و نشاطاتها ...إلخ . إن المتتبع لهذا الشأن –و هو يسمع ويرى اهتماما مبالغا فيه للتكوين المهني- لينتابه إحساس أن المدرسة قد استنفدت دورها التقليدي الذي هو الاعداد للحياة ،ومقبلة على دور جديد قد ينحصر في الإعداد لسوق الشغل و ذلك لتكوين يد عاملة مؤهلة تمكن من استقدام المقاولات و الشركات من الخارج و إنشاء شركات/مقاولات بمختلف أحجامها لدمج الشباب العاطل ؛ إلى الحد الذي يكون فيه المدرس مطالبا "باستدعاء متدخلين من عالم الشغل ،و التطرق لبعض المهن الجديدة التي فرضتها الظروف الاقتصادية الحالية" (ص 47 من الكتاب) . فهل أصبح دور المدرسة مختزلا في تكوين يد عاملة مؤهلة أو غير مؤهلة ؟ خصوصا عندما نلاحظ مؤخرا الاهتمام بالمهن منذ نهاية التعليم الابتدائي و نلفي في المقابل هزالة الميزانية المخصصة للبحث العلمي و الظروف البئيسة المخجلة التي يعيشها الباحث ..
إن "المشروع الشخصي للمتعلم " لهو مقاربة مخلخلة لهذا الجمود و التكلس الذي تعرفه المدرسة اليوم ؛ فهو قد وزع الأدوار ،أو ذكر بها ، ليقوم كل راكب في السفينة بالدور الذي جاء من أجله . إنه مساءلة للسياسة التعليمية عن مدى نجاعتها ،التي تقاس بمدى نجاح المشاريع الشخصية للمتعلمين خلال كل مسارهم ؛تلاميذ و طلابا و باحثين و علماء ...إلخ ؛فالمشروع الشخصي للمتعلم –كما جاء في الكتاب- يرافق المعني بالأمر في كل المراحل و الأطوار ليعينه على بلوغ الأهداف و تقلد أعلى المسؤوليات فيكون عونا للخلف على التحصيل و التجويد خدمة لوطنه و مساهمة في الأمن و الاستقرار و التنمية الحقيقية .فليس من الحكمة أن نصرح أننا نصدر الأدمغة للخارج ،كفعل مفكر فيه و مخطط له، و الوطن يستورد الأفكار و الهندسات و الدراسات ...إلخ (تصريح لوزيرالتربية الوطنية)
يبدو أن" المشوع الشخصي للمتعلم " سيجد صعوبة و تربة غير ملائمة لاستنباته لينمو و يترعرع ؛ فحال المدرسة لا يبعث على الاطمئنان ؛ فهي قد تأثرت بالمحيط السوسيوقتصادي المنهوك والمتهالك فأنهكها و أتعبها و جعلها تتراجع عن السلطة الرمزية و القيمة الاعتبارية التي كانت لها . ففي هذا الجو الذي تعيشه المدرسة المغربية ،كيف يمكن لإطار التوجيه التربوي " أن يدفع المتعلم لتحليل عناصر ذاته و الوقوف على مؤهلاته ...و تحليل بنيات محيطه " ؟ نحن نعرف أنه ليست المدرسة وحدها الساهر على بناء شخصية التلميذ و تعلماته ، خصوصا في القرية الصغيرة التي أصبحها العالم اليوم ،حيث تعدد مصا در المعرفة بشتى أنواعها (الغث و السمين ) بدون مراقب و لا منتق و لا موجه ...كيف يمكن للأستاذ-خصوصا بعد التعاقد- (حيث بلغت مدة التكوين إلى ثلاثة أيام) أن يستجيب للمطلوب منه في المقاربة بالمشروع ؟ كيف له أن يكون مدرسا و أستاذا رئيسا و أستاذا مصاحبا و محللا نفسيا و مرافقا لمشاريع المتعلمين راصدا لإخفاقاتهم و نجاحاتهم و تطوراتهم ...كيف يمكن لمؤسسة خلوة من الحراس العامين أن نطلب منها القيام بالأدوار المنوطة بالحارس العام داخل "السفينة؟ وهذه الحالة بالمناسبة (غياب أطر الإدارة في المؤسسات التعليمية) كانت محط سؤال للوزير بالبرلمان ،حيث الجواب – للأسف- لم يكن على قدر هذه الفاجعة ؛ مؤسسات بدون رئيس و أخرى بدون ناظر و نوع ثالت – وهم الأعظم – بدون حراس عامين و أضيف مؤخرا- خلال كتابتي لهذه السطور- إخلاء المؤسسات من كل عمال النظافة و الأمن . إنه بحق مناخ لا يبعث على الاطمئنان كما سبق.
إن النموذج البيداغوجي الدامج للمشروع الشخصي للمتعلم ليحتاج إلى نقلة نوعية لما تعيشه المدرسة اليوم ؛ فالجدول الوارد بالصفحة 106 من الكتاب و الذي يشكل أداة تمكن المتتبع من معرفة تموقع ، هواجس و انشغالات المتعلم حول الطاقم الاداري و التربوي ، هذا الجدول يحتاج إلى تحيين يراعي الواقع الجديد ؛ حيث كثير من المؤسسات لا تتوفر على محضر و لا على قيم للمكتبة و لا على ملحق تربوي ؛ فالكل ألحق بالإدارة لسد الخصاص المهول . أما بالنسبة لأستاذ الموسيقى و أستاذ الفنون و أستاذ المعلوميات و أستاذ التكنولوجيا و أستاذ التربية الأسرية ، هؤلاء أصبحوا ثانويين ؛إذ لا ضرورة لتواجدهم و حتى إن وجدوا فسيكلفون بتدريس مواد أخرى كالرياضيات و الفيزياء ...إلخ ولذا فما يناهز 50% من هذا الجدول حبر على ورق ليس إلا .لابد من موارد مادية و بشرية كافية لإنزال المشروع ،إضافة إلى الإدارة السياسية الملزمة ،الموجهة و الحاسمة .
ختاما ، و حيث أن الحياة لا تنتظر ، فالإنسان مدعو إلى أن يجدد و يتجدد تماما كالأيام التي لا يشبه أحدها الآخر ؛فكل يوم جديد يقتضي منا تفكيرا جديدا و اجتهادا و جدا و جهادا . لا شك أن الكتاب يدخل في هذا الإطار المبدع الخلاق و الذي ،هو في اعتقادي ،مساءلة للنظام التعليمي و خلخلة له و وقوف على هناته ، و إن كان ذلك بأسلوب غير مباشر ، و في الوقت نفسه تقديم المشروع /المبادرة لحل كثير من المشاكل التي تعوق بلوغ ما يطمح إليه المتعلم و يتمناه. (فهو لا شك بذل للجهد الممكن رغم كل الاكراهات و المعيقات ) فالله تعالى نسأل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم و أن يلهمكم دائما ما فيه خير الإنسان و أن يجزيكم خير صنيعكم ، إنه هو السميع المجيب و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و سلم تسليما.
عبدالرحيم سنهجي رباط الخير 13-11-2019