وهذا تعبير تعلوه أمارات الولاء، وهذا تعبير تنساب من حواليه دلالات النسب وروابطها المتينة، وعلى أساس من هذا الدين صحيح! وحين كانت ابنة حمزة عم نبينا صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنه بمكة يتيمة، وبعد استشهاد والدها حمزة في غزوة أحد.

وإذ وهذا علي، وهي ابنة عمه، وليحن حنانا تغزر، وليرحم رحمة تندر!

وهذا زيد بن حارثة، وكان وصي حمزة، وكان النبي ﷺ قد آخى بينهما حين آخى بين المهاجرين، فقال: أنا أحق بها ابنة أخي.

فلما سمع بذلك جعفر قال: الخالة والدة، وأنا أحق بها، لمكان خالتها عندي أسماء بنت عميس.

وهكذا في ملحمة كان أقل وصف لها بأنها ملحمة الرحمة باليتامى!!

وهكذا أيضا يقيض ربنا الرحمن الرحيم من عباده من يمسح على رأس يتيم!

وهكذا ينال فضل ذلكم المسح، وإن لم تلحق به هذه البنية، عمارة رحمها ربها، ورحم الله أباها، شهيد يوم أحد، أسد الله، حمزة بن عبد المطلب.

وهكذا أيضا يطمئن كل عبد سالك، أن الله تعالى سيخلفه في أهله، وحين صدق ما عاهد الله تعالى عليه، وليطمئن قلبا كل ذي كبد رطبة، أن الله تعالى معه، حين حياته، وبعد مماته، ليتسابق الرحماء على كفالة أهله وبنيه وبنياته!!!

ودلك على صحة مذهبنا هذا ما جاء عن الإمام الحبر الترجمان ابن عباس قال: إن عمارة بنت حمزة بن عبد المطلب وأمها سلمى بنت عميس كانت بمكة فلما قدم رسول الله كلم علي النبي فقال علام تترك ابنة عمنا يتيمة بين ظهري المشركين فلم ينهه النبي صلى الله عليه وسلم عن إخراجها فخرج بها فتكلم زيد بن حارثة وكان وصي حمزة وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينهما حين آخى بين المهاجرين فقال أنا أحق بها ابنة أخي فلما سمع بذلك جعفر بن أبي طالب قال الخالة والدة وأنا أحق بها لمكان خالتها عندي أسماء بنت عميس فقال علي ألا أراكم تختصمون في ابنة عمي وأنا أخرجتها من بين أظهر المشركين وليس لكم إليها نسب دوني وأنا أحق بها منكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أحكم بينكم أما أنت يا زيد فمولى الله ورسوله وأما أنت يا علي فأخي وصاحبي وأما أنت يا جعفر فشبيه خلقي وخلقي وأنت يا جعفر أولى بها تحتك خالتها ولا تنكح المرأة على خالتها ولا على عمتها فقضى بها لجعفر قال محمد بن عمر فقام جعفر فحجل حول رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا يا جعفر فقال يا رسول الله كان النجاشي إذا أرضى أحدا قام فحجل حوله فقيل للنبي تزوجها فقال ابنة أخي من الرضاعة فزوجها رسول الله سلمة بن أبي سلمة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول هل جزيت سلمة[1].

ولأن سلمة هذا هو الذي كان زوج أمه أم سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهكذا أيضاً فنحن في ملاحم رحمة ووفاء ومقابلة المعروف بمعروف مثله.

وهكذا أيضا نفيد حجلا لجعفر رآه نبينا صلى الله عليه وسلم، ولم ينهه، بل يكن في إقرار لفعلها فرحا، ومن حيث لم يأت إلا معروفا، لا منكر فيه، وهكذا أيضا ليس يقف ديننا موقفا سلبيا من كل ما يطرأ علينا من غيرنا.

غير أن هذا الحجل هو المعروف رفع رجل وخفض أخرى؛ فرحا لشيء، وليس هو من الرقص المعهود يوم الناس هذا أيضا في شيء!

وهذا الذي دفع أهل العلم بالحديث أن يبينوا ضعف حديث الحجل، ولما قد أخرجه البعض عن معناه، وحادوا به عن فحواه، فحولوه رقصا، وحوروه نغما!

وقال الإمام البيهقي رحمه الله تعالى: باب من رخص في الرقص إذا لم يكن فيه تكسر وتخنث (أخبرنا) أبو الحسين محمد بن علي بن خشيش المقرى بالكوفة أنبأ أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة ثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي رضي الله عنه قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم انا وجعفر وزيد فقال لزيد أنت أخونا ومولانا فحجل وقال لجعفر اشبهت خلقي وخلقي فحجل وراء حجل زيد ثم قال لي أنت منى وانا منك فحجلت وراء حجل جعفر (قال الشيخ) هانئ بن هانئ ليس بالمعروف جدا وفى هذا إن صح دلالة على جواز الحجل وهو أن يرفع رجلا ويقفز على الأخرى من الفرح فالرقص الذي يكون على مثاله يكون مثله في الجواز والله أعلم [2].

و"(مكي) بن عبد الله الرعيني، عن سفيان بن عيينة، له مناكير. قال العقيلي حديثه غير محفوظ، ثم ساق حديثه عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال لما قدم جعفر من الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وآله فلما نظر جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله حجل قال سفيان يعنى مشى على رجل واحدة اعظاما لرسول الله صلى الله عليه وآله فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله بين كتفيه"[3].

على أن عبارة سفيان بن عيينة، وكما في رواية اللسان السالفة، وأنه مشى على رجل واحدة، ما ينفي رقصا، ولا يثبت وجدا!

غير أننا وقفنا أيضا على أصل فقهي آخر ومن قوله صلى الله عليه وسلم: «ابنة أخي من الرضاعة» وحين خرجوا على هذا الحديث قاعدة : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وحين قال نبينا صلى الله عليه وسلم عن عمارة بنت عمه حمزة، أسد الله، صاحب الكبد التي لاكتها هند بنت عتبة: «ابنة أخي من الرضاعة».

وإذ كان حمزة بن عبد المطَّلب رضي الله عنه عمَّ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأخا له مِن الرَّضاعة أيضا، وحين أرضعتهما ثُوَيبةُ مولاة أبي لهبٍ، وحمزة رضي الله عنه أسَنُّ مِن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بسنتين. وقال صلى الله عليه وسلم: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ»، ومنه فإن كل ما ورد تحريمه من النسب فإنه يحرم للرضاع أيضا، وكما أن بنت الأخ يحرم الزواج منها لسبب النسب، فكذلك يحرم الزواج منها لسبب الرضاع.

فعن عائشة أم المؤمنين: جاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضاعَةِ، فاسْتَأْذَنَ عَلَيَّ، فأبَيْتُ أنْ آذَنَ له، حتَّى أسْأَلَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَجاءَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَسَأَلْتُهُ عن ذلكَ، فقالَ: إنَّه عَمُّكِ، فَأْذَنِي له، قالَتْ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّما أرْضَعَتْنِي المَرْأَةُ، ولَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، قالَتْ: فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّه عَمُّكِ، فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ، قالَتْ عائِشَةُ: وذلكَ بَعْدَ أنْ ضُرِبَ عليْنا الحِجابُ، قالَتْ عائِشَةُ: يَحْرُمُ مِنَ الرَّضاعَةِ ما يَحْرُمُ مِنَ الوِلادَةِ[4].

[1][الطبقات الكبرى، محمد بن سعد: ج ٨ / ١٦٠].

[2][السنن الكبرى، البيهقي:١٠ /٢٢٦].

[3][لسان الميزان، ابن حجر: ج ٦ / ٨٧]. 

[4].[صحيح البخاري: 5239].