يحق لتركيا سن قوانينها تماشياً مع الضغوطات الداخلية والاوربية ورغبتها في الدخول الى السوق الاوربية المشتركة، خصوصاً وأن تركيا مرشحة رسمياً أن تدخل في الشهر العاشر من هذا العام الى الاتحاد الاوربي، مما سيجعل صعوبة الحصول على التأشيرة التركية مشابه تماماً لصعوبة الحصول على تأشيرة الشنغن الاوربية، قد يفهم القارئ كلامي دفاعا عن تركيا، فتركيا تخلت عن الجانب الانساني مع الدول المجاورة لها مثل العراق وسوريا اللتان تشهدان حروب وصراعات داخلية دفعت مواطني البلدين الى طلب اللجوء في جارتهم تركيا.

الإجراءات التي فرضتها تركيا على المواطن العراقي للسماح له بدخول أراضيها معقدة جداً .. ومكلفة ايضا، بل تكاد تكون مستحيلة على غالبية الشعب العراقي، تتطلب شروط منح التأشيرة التركية للمواطنين العراقيين ما يلي: تأمين كشف حساب مصرفي بقيمة 5 ألاف دولار كحد أدنى لكل شخص، والحصول على تأمين صحي عالمي من شركة ضمان صحي "خاصة وان العراق لا يتمتع بثقافة التأمين الصحي للفرد"، مع ضرورة وجود سند عقاري وكتاب استمرارية الخدمة في احدى دوائر الدولة العراقية للحد من الهجرة عبر تركيا الى اوربا، إضافة الى ضرورة توفر تذكرة طيران ذهابا وايابا، وحجز فندق مسبق قبل السفر وتبلغ اجور التقديم على التأشيرة 400 دولار، ويستغرق وقت الاصدار 4 أيام كحد أدنى، وهذه الاجراءات معمول بها في السفارة الالمانية والبولندية والتشيكية وباقي السفارات الاوربية في بغداد، بمعنى أن الفيزا التركية أصبحت تقارن بالفيزا الاوربية من ناحية إجراءات ومن ناحية طلب بصمة المسافر والمقابلة الشخصية التي ستتضمن عشرات الاسئلة المخابراتية.

ان تعقيد شروط التأشيرة التركية ما هو إلا اجراء روتيني وطبيعي جداً بالنسبة الى دولة مقبلة على الدخول ضمن الاتحاد الاوربي، لكن القوانين التركية القادمة ستكون أصعب على دول الجوار التركي والمتأثر الرئيسي منها العراق بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وستكون هناك عواقب وخيمة على السوق العراقي، حيث انه قائم بشكل كبير على البضائع والمنتوجات التركية وخاصة اقليم كردستان العراق.

فلنبحث الأن عن الطرف المستفيد في هذه المعادلة، انها ليست تركيا بالتأكيد بل هي الجارة الشرقية للعراق، أيران هي المستفيد الوحيد من فرض اجراءات صارمة تجاه العراق من قبل تركيا، لأنها لا تفرض شروط تعجيزية على العراقيين من الدخول الى أرضيها سوى الاجراءات الروتينية، وستلعب إيران دور كبير في استغلال هذه الفرصة الاقتصادية الذهبية التي سترفد الاقتصاد الإيراني والقطاع الخاص في إيران من خلال توجه التجار العراقيين الى استيراد البضائع والمنتوجات الايرانية بدل التركية على الرغم من سلبيتها مقارنة بالمنتوجات التركية، وسينتعش القطاع الطبي في إيران وسيتوجه مرضى العراق الى المستشفيات الايرانية بدلاً من المستشفيات التركية خاصة وأن العراق يعاني من هجرة الكفاءات الطبية وسوء الرعاية الصحية للمرضى.

تركيا ضحت بملايين الدولارات التي تجنيها سنويا من المسافرين العراقيين مقابل تحقيق حلمهم بالدخول الى الاتحاد الأوربي ليتمتع مواطنوها بحرية السفر والحركة داخل أوربا دون الدخول بمتاهة تأشيرة الشنغن المعقدة، لكن بالمقابل سيتضرر القطاع الخاص في تركيا بنسب كبيرة جداً بسبب عزوف السياح والتجار والمرضى العراقيين من التوجه الى تركيا على الرغم من تمتع تركيا باقتصاد قوي وموارد غنية.