يستحضر العالم هذه الأيام الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، والتى كانت لها تداعيات جيوسياسية كارثية على العالمين العربي والإسلامي. فالتحولات السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية التى تلت هذه الأحداث بدءاً من احتلال العراق وأفغانستان والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على اقتصاديات دول الخليج العربي واستنزاف ثرواتها النفطية وتشويه صورة العرب والمسلمين في الإعلام ونشر الإسلاموفوبيا بين أوساط الشباب الغربيين، خير دليل على هذه التداعيات.
ولعل أبرز هذه التداعيات تمثلت في محاولات التأثير الأمريكي على النظام التعليمي العربي واجتثاثه من جذوره العربية تحت شعار إعادة هيكلة النظم والمناهج التعليمية. وقد بدأت هذه المحاولات في أعقاب الهجمات مباشرة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها على حد سواء.
ففي الجامعات والمدارس الأمريكية، عانى الطلاب العرب والمسلمون من تمييز عنصري وتنمر من معلميهم وأقرانهم الأمريكيين. فقد كشفت دراسة علمية نشرت عام 2016 عن إنتهاكات تمت بحق الطلاب العرب والمسلمين في بعض المدارس الأمريكية مثل حادثة الطالبة Nashala Hearn التي كانت طالبة بإحدى المدارس الحكومية في أوكلاهوما عام 2003. وقد رفضت إدارة المدرسة السماح لها بالدخول بسبب إرتدائها الحجاب بحجة أن الحجاب يخالف قواعد الزي المدرسي. وتضيف هذه الدراسة أن المعلمين والمحاضرين الأمريكيين تولدت لديهم قناعة خاطئة بأن الطالب العربي والمسلم لايحترم التعليم أو يضعه على سلم أولوياته على الرغم من وجود طلاب عرب ومسلمين متميزين ومتفوقين علمياً، وقد نتج عن هذا التصور الخاطئ تقاعس المستشارين والأكاديميين التربويين عن تقديم الخدمات التعليمية للطلاب المسلمين والعرب ومساواتهم مع أقرانهم الأمريكيين في التقديرات والمجاميع التراكمية.
وعلى صعيد الوطن العربي والشرق الأوسط فحدث ولا حرج عن المطالبات المتكررة التى رددها الساسة الأمريكيون بضرورة تعديل المناهج العربية والإسلامية. وقد بدأت هذه المحاولات جدياً بمنطقة الخليج العربي حيث دعت لجنة العلوم والثقافة بمنظمة اليونسكو المملكة العربية السعودية منذ عام 2002 بضرورة تعديل مناهجها الدراسية بحجة أنها تحرض على الكراهية ومعاداة السامية، في الوقت الذي قامت فيه بعض المؤسسات التعليمية الأمريكية بحظر تدريس اللغة العربية للطلاب العرب المقيمين على أراضيها فضلاً عن تدريس مقررات تزور الحقائق التاريخية العربية لتزييف وعي الدراسين العرب والمسلمين هناك.
كما اتبعت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة دعم التعليم الخاص مقابل إضعاف التعليم الرسمي الحكومي بحجة إعداد كوادر تتناسب مع متطلبات سوق العمل الحديث، وقد كان الهدف الرئيسي من هذه السياسة هو القضاء على المناهج الرسمية واتهامها بالجمود والتخلف واتباع أساليب وطرائق تدريس تقليدية لاتواكب التطور. كما هدفت هذه السياسة أيضاً إلى إعتماد اللغة الانجليزية كلغة رئيسية في دراسة المواد النظرية والتطبيقية بغض النظر عن دراسة جدوى وتقييم احتياج المتعلم لدراسة هذه المواد باللغة الانجليزية.
وقد أكدت دراسة علمية صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية عام 2010 أن تطبيق سسياسة الولايات المتحدة الأمريكية التعليمية في منطقة الخليج العربي أبعد التعليم العربي عن مساره الصحيح حيث تحولت دراسة اللغات الأجنبية إلى غاية بدلا من كونها وسيلة، مما أثر سلباً على ثقافة المتعلم العربي وهويته. كما أن ربط التعليم بقيم السوق أدى إلى تراجع دور التعليم كوسيلة تربوية لتصبح وسيلة سوقية ربحية، كما تغيرت القيم التعليمية من تخريج مواطنين صالحين إلى تخريج موظفين ناجحين، وبدلاً من التشجيع على بناء المعرفة ومشاركتها إقتصر العقل العربي على التقليد والتبعية.
وختاماً، لايختلف اثنان على أهمية تطوير النظام التعليمي العربي وهيكلة المناهج العربية سابقاً وحالياً، إلا أن الإشكالية تكمن في أن السياسات التى تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر تدس السم في العسل. فبينما ترفع هذه السياسات شعار التطوير والتحديث، لم نجد في الواقع إلا أساليب ماكرة لاختراق العقل العربي ثقافياً وتفريغه من قيم الولاء والانتماء والقضاء على ثوابت اللغة كوعاء لنقل المعرفة والتواصل مع الثقافات الأخرى. ومالم يتحرك التربويون العرب بأنفسهم ويتصدوا لهذه الهجمات التغريبية الشرسة ويطوروا من نظامنا التعليمي وفقاً لمتغيرات العصر، ستتلاشى أواصر التماسك المجتمعي وتتبدد الدوافع الني تبعث على النهوض.
المراجع
Lebowitz, J. (2016). Muslim American youth in the post 9/11 public education system.
Foreign penetration of education threatens the national identity (2010). The Emirates Center of strategic Studies and Research.