لعبة نيوتن دراما مملة ومزعجة
حيدر حسين سويري
تقدم الدراما العربية الكثير من المسلسلات في شهر رمضان، مما لا يسع المتابع أن يشاهدها جمعياً، فيشاهد ما تيسر لهُ ويرجئ الاخريات الى ما بعد نهاية الشهر الفضيل، خصوصاً وأن القنوات الفضائية تقوم بإعادتها، أو يتابعها من خلال التطبيقات التي تتيح ذلك عبر الشبكة العنكبوتية.
تابعتُ في فائت الأيام المسلسل المصري (لعبة نيوتن) بطولة النجمة (منى زكي) ومجموعة من النجوم الذين أبدعوا بأداء أدوارهم بصورة ممتازة، لكن المسلسل فشل في التأليف والإخراج فشلاً ذريعاً، ولبيان ذلك وليستبين القارئ معي، سأورد نقاط الضعف والخلل في عدة نقاط:
- فكرة الولادة على الأراضي الامريكية مطروقة وليست جديدة بل لم يأتي المسلسل بجديد، حيث تطرق لها فيلم "طلق صناعي" بطولة النجم ماجد الكدواني.
- لم يحذر المسلسل من خطر المغامرة، خصوصاً بعد قرارات (ترامب) الشديدة بعد حلول جائحة كورونا عام 2019، على منح التأشيرة للداخلين الى الأراضي الامريكية، والتي بقيت سارية المفعول الى يومنا هذا؛ بل المسلسل شجع على خوض هذه التجربة، خصوصاً مع نجاح (هناء) بوضع مولودها (إبراهيم) وحصوله على الجنسية الامريكية؛ فهل كان ينوي حقاً المؤلف والمخرج إيصال هذه الفكرة أم العكس؟ وقبل أن أعرف ردهم أود أن أخبرهم: ان ما وصلنا كمشاهدين هو التشجيع وليس التحذير!
- اتفقت المذاهب الإسلامية الفقهية (عدا المذهب الفقهي الجعفري) على أن الطلاق يقع عند تلفظ الزوج به ولو كان من باب المزحة، أو بدون وعي (أي سكر)، لكن عند ذهاب زوج هناء (حازم) للسؤال عن وقوع الطلاق من عدمه، تحدث مع رجل (ولا أعرف هل يقصد المؤلف بأن الفتوى تصدر من أي شخص؟ من أين جاء بهذه الفكرة؟) ثم أن هذا الرجل بدأ يسأله: هل كنت ناوي فعلاً... وهل وهل...! ثم تدارك الموضوع بقوله: اذهب الى دار الإفتاء أفضل. لكن حازم لم يفعل، لماذا؟ كان يجب على المؤلف والمخرج الذهاب الى دار الإفتاء، لنرى الحكم الشرعي الصحيح، هل كان (مؤنس) على حق حينما (قال: الطلاق قد وقع) أم لا؟ نحن كمشاهدين نريد معرفة حكم الشرع. لكن المؤلف اعتبر ان الطلاق وقع بغير قناعة من حازم، وهذا اعتراض صريح (من قبل المؤلف) على الحكم الشرعي وفق رأي المذاهب الاسلامية (عدا المذهب الجعفري كما سنبين لاحقاً).
- حاول المسلسل محاكاة عادات وتقاليد المجتمعات الغربية، وجعلها قريبة من عاداتنا وتقاليدنا كعرب ومسلمين، لكنه فشل في ذلك ولم يكن مقنعاً، فما معنى أن تذهب يارا (أخت هناء) الى المخرج عمر لتقول له: خلاص انا قررت ان أعيش معك! هل يوجد مثل هذا في مجتمعاتنا؟ أن تعيش فتاة مع شاب دون زواج! ولو فرضنا جدلاً وجوده ولو نادراً، فماذا يريد المؤلف والمخرج ان يوصلوا للمشاهد من عرض هكذا سلوكيات؟ هل يريدون ان تشيع مثل هذه الحالات في مجتمعنا مثلا؟
- المسلسل يبعث في نفس المشاهد الطاقة السلبية، فحازم وهناء ومؤنس وبدر (الشخصيات الأساسية في المسلسل) كلهم يعانون من أمراض نفسية، ويمتازون بالتردد في اتخاذ القرارات والضعف والجبن، ورداتِ فعلٍ خاطئة وعنيفة أحياناً، تنم عن أنهم غير متحضرين وأنهم ليسوا من حملة شهادات، بل يحملون أمراضاً نفسيةً متقدمة ويحتاجون إلى مصحة نفسية لعلاجهم، وهذا كله يبعث ويحرك الطاقة السلبية لدى المشاهد.
- ولأختصر الكلام وأذهب الى المشهد الأخير من المسلسل، لأخبر المؤلف والمخرج بالطامة الكبرى، حيث أن المشاهد كان يأمل بنجاح مؤنس في ركوب الطائرة وأخذ إبراهيم معه! وبهذا أشكرهما أنهما استطاعا ان يقلبا الموازين، فبدل أن نكون مع هناء لتنقذ أبنها من الخطف، صرنا نأمل العكس، لولا تدارك النجمة (منى زكي) وابداعها في أداء دورها لما تعاطفنا مع هناء في المشهد والأخير.
بقي شيء...
للدراما تأثيرها القوي على المشاهد العربي، فعلى العاملين بها ان يدركوا انهم أصحاب رسالة وليست تجارة فقط، وان يقدموا ما ينفع مجتمعاتهم لا ما يضرها، وعليهم ان ينشروا الإيجابيات ولا يتعرضوا للسلبيات، وليس كل مكتوب يصلح للدراما، فانا كاتب قصة ولو عرضوا علي بعض قصصي لتكون مسلسلات او تظهر كدراما لرفضت رفضا قاطعاً، لأنها تصلح للقراءة فقط، فنسبة القراء ضئيلة وهم من الواعين والمثقفين حصراً، أما الدراما فهي للجميع ولكل افراد الاسرة. ولذلك فخطرتها كبيرة جداً.
توضيح: رأي المذهب الجعفري الامامي في الطلاق: يجب ان يكون الزوج المطلق بالغا عاقلا مدركا مختارا وبحضور شاهدين عدلين، ومن شاء التوسع عليه الرجوع الى (كتاب الطـلاق) الفصل الثاني في أقسام الطلاق وبعض أحكامه.