رباط الخير 19/07/2021
مسألة القراءة الناقدة *
لا شك ان القراءة هي أساس الإبداع؛ فالكتابة لا تكون إلا نتيجة كم هائل من المقروء. إن القراءة الناقدة لا تختلف كثيرا عن الكتابة ذاتها؛ ففي مرحلة معينة تصبح الكتابة، والقراءة، وجهين لشيء واحد.
تختلف القراءات النقدية باختلاف الذوات الناقدة والذوات المنتقدة وكذا المعايير و الأخلاقيات و العلاقات و المصالح ...فكثير ما يسلط الضوء على عمل ما من طرف جهات متعددة في عالم الإبداع و النقد، و ذلك لأسباب عدة، بينما تجد الكثير من الأعمال منسية، لا يلتفت إليها أحد، و الأمثلة على ذلك كثيرة، على الأقل عندنا في العالم العربي. يعزى ذلك لعدة أسباب أقتصر على واحد منها: استصعاب ولوج الأرض البكر.
إن الناقد في كثير من الأحيان لا يجد ما يكفي من روح الشجاعة والمغامرة لكي يلج إنجازا بكرا، خصوصا عندما يكون هذا الأخير من الأعمال الشبه مكتفية بذاتها، فلا تحتاج إلى كثير إحالات، مما يربك القارئ ويجعله أمام حالة تحتاج إلى إبداع نقدي يليق بالمقروء؛ فتراه غالبا ما يتردد في سبر أغوار العمل والوقوف على تفاصيله للوصول إلى كنهه. وقد يسم العمل النقدي ب"قراءة أولية " بداية و هو يتحسس الأرض البكر، وكأنها ملئت ألغاما و زرعت قنابل ينتقل من هنا إلى هناك بحذر شديد فلا يكاد ينحو منحى في سيره من كثرة التردد و الشك؛ فتراه يوظف الكلمات الحاملة لمعاني عدة ويلجأ لتعابير فضفاضة تعكس غيابا في القصد بسبب عدم الظفر بشيء من جواهر النص. بعد ذلك تراه يعاود الكرة؛ والمرة تلو المرة إلى أن يرى بصيص أمل يقوده شيئا فشيئا إلى مبتغاه. بعد ذلك تتوالى القراءات وتكثر الزيارات لهذه الأرض التي أشهرتها آلة النقد و جعلتها وجهة لكثير من الحجاج/النقاد.
المسألة تتماهى مع تقليد يعم أسواقنا فترى البائع يحمل سلعته للسوق لبيعها والوقوف على قيمتها فلا يبيع منها شيئا وهو ماكث يجيب عن السؤال: "كم القيمة التي أعطوك في السلعة؟ فيجيب "لا تزال على الله" أي لم يقومها أحد بعد، و يستمر الوضع إلى أن يقرر صاحبنا البائع -في كثير من الأحيان- تقويم سلعته كما شاء؛ فيقترح عل السائل قيمه من مخيلته، حينها يحدث التفاعل و المناقصة و التفاوض لينتهي الأمر بإعطاء قيمة للسلعة ترضي الطرفين، فيتم البيع و يحدث الحدث.
هناك نصوص مسبورة بكثرة، استنزفت ولم تعد عملية القراءة تنتج جديدا؛ تماما كما يحدث للأرض التي تحرث عدة مرات فيكون الإنتاج متواضعا فترى الفلاح يغير طريقة الزراعة ونوع الحبوب إذا اضطر إلى زرع الأرض تباعا. قد يرى القارئ-قارئي- أن المثال كلاسيكي لا يتماشى مع ما تم اكتشافه مؤخرا، حيث القراءة المبدعة المولدة للمعاني والمنتجة للجواهر إلا أن فعل القراءة لا يمكنه إلا أن يتأثر بالنص المسبور فكلما كان النص عميقا وثريا كانت القراءة أعمق وأثرى.
قد نقدم مثالا ثالثا للمسألة، ذلك أن الأشياء تتشابه فيما بينها، والتشابه هذا أمر قائم بذاته يحتاج إلى بحث ودراسة لاستكناهه (قد نعالج موضوع التشابه/المماثلة في العلوم الفيزيائية على الخصوص وفي غيرها على العموم مستقبلا إن شاء الله تعالى) عادة ما يصعب على الأنسان امتطاء دابة صغيرة السن فيحتاج إلى متمكن /مختص يقوم بتمرينها، فتراه يغامر في امتطائها باذلا مجهودا كبيرا ومستعينا بكل ما لديه من مهارات لينجح فعله هذا ويجعل الدابة قابلة للامتطاء من طرف غيره الذي لا يتوفر على مهاراته. ذلك تماما ما يحدث للنص البكر الذي لا يقترب منه- بغية سبره- إلا من لديه الأدوات والتقنيات حتى إذا فعل ألفيت الزملاء يقتفون أثره، بل وحتى القراء العاديين يقبلون على قراءة العمل نظرا لفتح كثير من المغاليق وتسليط الضوء على عتمات النص مما يجعله سهلا، مغريا وجاذبا.
أبو عبير 20/07/2021
*من وحي جواب على رسالة قصيرة لأخ فاضل عندما طلبت منه زيارة الموقع https://oktob.io/posts/30219 لقراءة بعض النصوص .