جميعُ الذين معي هُنا يظنون أنهم سيتربعوا على عروش أحلامهم، يملؤن رؤوسم الخالية بالكثير من الطموحات والأحلام، كصديقي الذي يود أن يصبح لديه منزل، سيارة، ومصدر رزق ثابت، ويتزوج. كُلُ هذهِ الأشياء أخبرني أنهُ سيفعلها قبل أن يدخل سن الثلاثين، ولكن الواقع يا صديقي أننا في دولة من دول العالم الثالث، وفي أقل طبقة فيها، في طبقة بلوتارية قاسية جدًا على الأحلام يا صديقي. هُنا عندما نظرت إلى آمال العديد من الأشخاص الذين في عمر الشباب، وجدتُ أن العديد منهم أقصى أحلامهم توفير المال من أجل الأكل والشرب والتظاهر بأنهم أغنياء، يلبسون الملابس الغالية، يحاولون قدر الإمكان شراء هاتف غالي جدًا، المقايس هُنا على حسب الهاتف الذي تحملهُ والملابس التي ترتديها، والبعض منهم أقصى طموحتهُ توفير مال لشراء التبغ او السجائر، ستحتاج الكثير من الجهد للخروج من هذهِ الحفرة، يجب أن تتسلق كل يوم، ستسقط وتنهض حتى تأتي بشيء مختلف.. بين الطرق المتشققة، من شدة وعورتها تظن أن زجاج العربة التي تركبها سيتحطم، يركبون معك في نفس الحافلة أُناس عصفت بهم الحياة حتى صارت ملامحهم شاحبة، هؤلاء هم نفس الأشخاص الذين تركتهم قبل سنين، تربيت معهم..
هُنا كنتُ أقطن كانت الحياة سخية لدرجة أنني لم أظن أن في يومٍ قد تسوء الأحوال لهذهِ الدرجة، بدأ الكرم يتلاشى شيئًا فشيئًا إلى أن يتوقف في يومٍ ما، توقف الناس عن زيارة بعضهم البعض، توقفت حلقات القهوة لدى النساء، التي كانت جميلة جدًا، تجلس في المنزل وتسمع النساء جمعيهم يتحدوث دُفعة واحدة، وفي المنتصف واحدة منهم تصنع القهوة على المنقد، المصنوع من الفخار، تسمع ضحك، حديث كثير، كانوا كأنهم فقهاء أو علماء، يتحدوث في السياسة، عن أشخاص آخرين، عن المال الذي بحوزتهم، عن أولادهم المثالين الذين يزرفون من دمهم لارضائهم، عن المنزل الجديد الذي اشتراه زوجها، عن الماعز الضخم الذي اشتراه ابنها للأُضحية، كانوا يقضون الكثير من الوقت في الحدث مع ارتشاف فناجين القهوة واحةً تلو الأُخرى.
زغاريد النجاح، أظن أن الزغايد لا تختلف كثيرًا عن لحن جميل في الأوبرا، والطبلة التي تعزف لا تختلف كثيرًا عن إيقاع سمفونية جميلة، تلك البساطة، والفرح الذي يعم الصغير والكبير لا تشعر بهم في الحفلات الضخمة، حتى نقيق الضفادع عندما أعود ليلاً أشعر بأنه رائع، أجدني أتمايل مع كل نقنقة منهُ، كأنهم يعزفون معزوفة خاصة بهم..
الرحلة إلى الحقول التي كُنا فيها ثلاثة أشخاص، رائحة المبيد، الشطة، أشجار النخيل وهي تتمايل مع تمايل مياه البحيرة، البطون الجائعة، ونحنُ نبحث عن أي شيء يُأكل، حتى وجدنا شجرة ليمون، ليضحك بعد أول قضمة صديقي ويقول لي: أتعلم أن الليمون في الحقول أشعر به كأنهُ مانجا..
الحياة كانت جميلة جدًا ولكن لا شيء يدوم، فقد سُرقت ثقافتنا من قبل العاصمة، وقد سرقت ثقافات العاصمة من قبل الغرب..
على كل حال لا شيء يدوم على الإطلاق مصير الريف ان يصبح مدينة،  لكن ملامحهم ما زالت  شاحبة.