" عند مرورك من الطريق الواصل بين الكورنيش إلي باب الكلية الموقرة بالأزاريطة ، قد يسترعي بصرك - أو قد لا يفعل - .. مشهد رجل قد قارب الستين أو أكثر من عمره ، جالسا على حافة الطريق ، مرتديا ثيابا أقل ما يمكن وصفها به هو أنها استنفذت أقصي درجات البلي منذ سنوات عدة ..

بجواره قد تلاحظ مجموعة من علب مناديل الجيب ، لا أظن أن لديه رزق سواها ! ..

لا أذكر هذا الكلام لأستدر عطف القارئ على هذا الرجل .. فلن يخل شارع في بلدنا _ الحنون _ من مثيله أو من أقل منه حظا ، ستجد من صورته رجلا ، امرأة ، طفلا ، عجوزا و شابا ..

و الخير و الإحسان فطرتان نقيتان لا يليق بهما الاستجداء ، فمثله يدنسهما !

لكن أذكرها لأثير فضولك الآدمي لعلك تلقي إليه نظرة يوما ما ..

فرضا فعلت ، و نالت عيناك شرف النظر إلي هذا الرجل ، قد تتشبث قدماك بالأرض حين يفاجئك في كل مرة ممسكا بكتاب أو مجلد إن صح الوصف .. منهمكا في القراءة و النهم من كلماته بصوت مسموع .

فقط يقرأ ، و يقرأ ، و يقرأ .. قراءة تجعله يغفل عن مصدر رزقه الكامن بجواره ..

قراءة تجعلني و تجعل من يمر عليه ينسى أن هذا الرجل يحصل رزق يومه من علبة مناديل نترفع نحن أن نشتريها منه !

نظرة إليه .. تعلمك الكثير

قد تجعلك تدرك مدى فراغ حياتك أو مدي فراغك أنت تحديدًا ! 

أمرُ به كل يوم تقريبا . _لا أكذبكم _ و لكن حقا رؤيته تدفعني للإبتسام حين أراه  ! ابتسامة أمل  و ابتسامة سخرية معًا  ، لا أدري لماذا الأمل  و لكني أري فيه صورة حية لقوله تعالي " و فوق كُلِّ ذي علمٍ عليم "  . أنا و غيري ممن وصلنا لذلك المكان الذي يُسمي كلية -قمة - ، ممن يقرأ كثيرا في رأيه و رأي من حوله ، لا أظنني قرأت هذا الكم من الكتب ، بل لا أظنني قادرة علي استيعاب هذا النوع من الكتب التي يقرؤها . هل حقًّا تعلمنا  ؟ هل حقًّا نقرأ ؟ هل حقًّا صدق من قال :

ففز بعلم تعشْ أبد الدهر حيًّا .. فالناس موتى و أهل العلم أحياءُ   . ؟  

كثيرا فكرت في أن أنحرف عن وجهتي الأساسية كل صباح لأقف لأتحدث معه ، لحظتها أشعر بالعجز ، عجزٌ عن أن أري نفسي طرفًا مناسبا للحديث معه ، عجزٌ أن أرفع عنه ما حلّ به ! .. فأكمل طريقي للأمام و تزول ابتسامتي فجأة كما ظهرت فجأة ! "