.
اخر الابحاث تشير الى ان الدماغ ربما يحفز الحواس الجسمانية ويحثها على التأمل, والاستفادة من لحظات الانفعال العالية لتعزيز السلوك الاخلاقي, وفقا للباحثتين في جامعة جنوب كالفورنيا, ماري هيلن ايموردوني ويانغ. حيث وجدتا ان الافراد الذين استمعوا الى قصص مصممة لاثارة الشفقة والاعجاب بالفضيلة والقيم والمبادىء الانسانية النبيلة قد ذكرو انهم في بعض الاحيان كانوا يشعرون باثارة كبيرة تجعل اجسادهم تقشعر, وان هذه الوخزات العاطفية والتي مصدرها جسماني- نفسي حسب الباحثتان هي في الواقع مشاعر حقيقية, وقد تم التحقق منها من خلال الكشف بالاشعة المقطعية على الدماغ., وتوضح الباحثتان, ان هذه ربما تكون دليلا على أن رالسلوك الاجتماعي المؤيد هو جزءا او احد عوامل بقاء الجنس البشري. (1)
وتشير الباحثتان الى ان فرضيتهما ولدت من بحثهما الذي خلص الى ان المشاعر والانفعالات العاطفية الجسدية قد تدفع بالمرء في كثير من الاحيان الى التأمل والتفكر ما يعني تعزيز الخيارات الأخلاقية والدفع بالافراد الى مساعدة ومحاكاة الآخرين..
وقد روتا الباحثتان اجابة احد المشاركين في الدراسة حول قصة عاطفية مثيرة لابن صغير كان انانيا تجاه والدته, وكان ردة فعله حسب الباحثتان, انه شعر بعد سماع القصة ان شيء ما اشبه ببالون ينتفخ ويصعد ويهبط في داخل احشائه, وبينما كان يروي لهما تلك التجربة, توقف لبضع ثواني ليتأمل علاقته مع امه, وفي الاخير وعد ان يمنح والديه مزيدا من الاحترام اللذان يستحقانه..
وقد لاحظ الباحثتان تفاعلات مشابه وبدرجات متفاوتة بين المشاركين. وقد انجز فريق الباحثتين ايموردينو-يانغ حوالي 50 تحليلا نوعيا في بكين وفي جامعة جنوب كلفورنيا وكل النتائج تفيد باهمية القصة المثيرة في تعزيز السلوك الاخلاقي.
وخلصتا الى ان هذه العواطف الناتجة عن سماع القصص المعبرة هي التأسيس الحقيقي للفضيلة والأخلاق والتعلم الاجتماعي.
دور المدرسة والاسرة في تهذيب السلوك من خلال القصة..؟
طبعا اجزم ان ترثنا الاسلامي كان له سبق الكشف عن اهمية القصة في غرس بعض المفاهيم والقيم, وقد كانت ولا زالت القصة التي يلقيها الواعظ او الشيخ تجد الصدى الجيد وتؤثر بشكل جلي في سلوك المتلقي سلبا وايجاب, لكن ما يؤخذ على هذه القصص انها اوفي معظمها تتمركز حول مفاهيم محددة وفق مناسبات تاريخية معينة او شخصيات اسلامية محددة, لا تثير المتلقي بما يكفي ليستشعر معها الفضائل والاخلاق الرفيعة التي يجب ان يتعاطاها في حياته اليومية. فمثلا, نجد خلو هذه القصص من ملامسة القيم والاخلاق والفضائل التي نحن بأمس الحاجة الى تفعيلها في سلوك واخلاق ابناؤنا, فنحن نعاني من عقوق الابناء, والكذب, والنميمة, والكره والحقد وعدم التسامح, واحتقار المخالف او الاجنبي, وعدم تحمل المسؤلية, وشيوع الطلاق, والعنوسة نتيجة او انعكاسا لتوجيهات او سلوكيات تتمركز حول الذاتية وتبتعد كثيرا عن استشعار القيم "الاسلامية" الانسانية الرفيعة التي تراعي مشاعر والام ومعاناة الانسان, وانا اعزو عدم تأثير هذه القصص رغم جاذبيتها الى انها تقدم للمتلقي في مراحل عمرية متأخرة.(2). ومن سلبيات الكثير من القصص الاسلامية وخاصة تلك التي راجت اخيرا, انها تتحدث عن غيبيات مبهمة بالنسبة للمتلقي مثلا في المراحل الابتدائية ما يجعلها تعيقه من فهم الحياة وما يدور حوله بل ربما تخلق في وجدانه التشاؤم والخوف من المجهول او قد تعيق فيه روح المبادرة والاستقلالية..
الحقيقة ان المجتمعات الغربية قد تنبهت الى اهمية القصة في تعزيز السلوكيات المرغوب غرسها في النشيء منذو بداية القرن التاسع عشر, واصبحت رواية القصة العاطفية الموجهه لتعزيز سلوكيات وقيم ايجابية معينة للاطفال من سن الثالثة الى السادسة وجبة يومية (قبل موعد النوم) يتبادل الاب والام دور الراوي لمجموعة قصص لمؤلفين او قد يكتفون بتأليف قصص خيالية معتمدين على خيالهم المستمد من تجاربهم اليومية وربطها بما يودون غرسه في عقول ابناؤهم. واهمية رواية القصة للنشء في المراحل العمرية المبكرة مهم جدا, فهذه المرحلة المبكرة هي المرحلة الاساسية في غرس القيم الفاضلة وفي تطوير الحس الفكري-النقدي والتساؤل وفي تعزيز الثقة بالنفس والاستقلالية, والقصة والالعاب بشكل عام ترفع معدل الذكاء.
(1) Mary Helen Immordino-Yang
(2) Salem Mussa http://www.samsem.net/Item-87714.html
د. سالم موسى القحطاني
2009
جامعة الملك خالد