استراتيجية تطوير التعليم
شارون نورمان (1998) في بحثة عن اجراءات التغيير والتطوير في المدراس التعليمية, تحت عنوان"الوجه الانساني في عملية الاصلاح المدرسي" يرى ان اجراءات التغيير والاصلاح داخل المؤسسات التعليمية تنطلق من تبني فرضيات ساشكن وايجرمير ( 1993) المتعلقة باجراءات التغيير التي تنص على:اولا: تعديل المنهج, وطريقة التدريس والمواد.ثانيا: تعديل ثقافة المدرسة.ثالثا تطوير قدرات المعلمين من خلال التدريب والتوجيه.وهو يتفق مع نموذج ميشال فولن 1979 الذي يتصور ان تغيير ذهنية المعلم تعتبر الخطوة الاكثر اهمية لضمان نجاح اجراءات التغيير.
في هذا المقال المقتضب سوف اقتصر الحديث على ثقافة المدرسة واهمية تطوير قدرات المعلمين, على اعتبار انهما محورين رئيسيين في اي عملية اصلاحية تعليمية وعلى المدى الطويل, بالاضافة الى تسليط الضوء على نموذج ميشال فولن الذي اسماه "جيوب النجاح" واهميته في تسيير عملية التغيير بدون اي معوقات مجتمعية.
تعديل الخارطة الذهنية للمعلم
الحقيقة ان ثقافة المدرسة هي انعكاس مباشر لسلوكيات وقيم اعضاء هيئة التدريس في داخل اروقة المؤسسة التعليمية " المدرسة" وان اعضاء هيئة التدريس هم المصدر والمشرع الحقيقي للثقافة السائدة فيها, بلا شك. وفي ذلك يؤكد الباحثين في الشؤن الادارية والتعليمية ان الكثير من التغييرات والاصلاحات تفشل عند التطبيق لانها تتعارض مع تصورات وتطلعات اعضاء هيئة التدريس داخل المؤسسات التعليمية, هذه التصورات والتطلعات تعمل في الغالب على تقييد قدرات الاعضاء الفكرية وتقتل فيهم روح المبادرة وتحد من قدراتهم الابداعية, ما يجعلهم يرفضون ويقاومون التغيير. في هذا الاطار يؤكد سينج 1990 ان سلوكيات وتصرف وثقافة المحيط التعليمي داخل المدرسة تعمل على خلق نماذج او صور ذهنية لما يجب ان تكون عليه المدرسة وكيف يجب ان يفكر الاخرين في هذا المحيط. يضاف الى ذلك ان هذه الثقافة تمنح التلميذ "اوتوماتيكية" التفكير والتفاعل على اعتبار انها أي الثقافة تكون حاضرة في ذهنه باستمرار.لذلك ولكي نعمل على تغيير او تعديل ثقافة المدرسة لابد ان نبحث عن امكانية تحقيق ذلك في اطار المسموح به اجتماعيا ودينيا وانسانيا, فالناس في المؤسسة التعليمية كما يقول هول و لاوك 1978 يجب ان ينظر في اهتماماتهم الذاتية قبل ان
يطلب منهم الاهتمام بالتغيير الذي تنشده المؤسسة التعليمية, ويضيفان بان المعلمين يودون معرفة 1-عن ماذا يدور التغيير,2-كيف سيؤثر التغيير على وضعهم المهني,3-وماهو الشيء الذي عليهم ان يضحوا به او يتخلوا عنه من اجل التغيير الجديد.
ويؤكد باترسن 1997 بان الناس الذين هم هدف التغيير يميلون الى التشكيك في مصداقية واهداف الاشخاص الذين يطالبون بالتغيير..هذه النزعة المتوجسة من التغيير تفسر على انها نزعة وقتية مقاومة لاي تغيير على اعتبار ان هذا التغيير قد يطال المزايا المادية والمعنوية التي يتمتع بها المعلمين على المدى البعيد. ومن جهة اخرى فهو لدى البعض تحد لقناعاتهم وايمانياتهم وعاداتهم وروتينهم التدريسي المألوف., ولان المعلم هو العنصر الاهم في القيام بدور المنجز لهذا التغيير فان من الضروري كما يعتقد كل من فولن 1982 وساكن وايقرمير 1993 وكذلك باترتسن 1997 بان التغيير المنتظم يحدث فقط حينما يكون الناس داخل المؤسسة التعليمية مهيئين ومؤهلين لتقبل التغيير, ويعتقدون ان هذا يتم من خلال تشجيع المعلمين على الاطلاع والبحث في تطوير قدراتهم المهنية والذاتية واشاعة ذلك من خلال الحوارات الجماعية واقامة المحاضرات والندوات لتأصيل مبدأ الحوار والانفتاح وتقبل الرأي الاخر, وكذلك من خلال تكثيف ورش العمل التي تفسح المجال امامهم للمثاقفة-المناقشة العلمية التي تستهدف توضيح الجوانب الايجابية والضرورية التي يحملها التغيير, مع العلم ان اي من ذلك لايمكن تحقيقه الا بوجود كفاءات قيادية طموحة تمتلك النزعة الذاتية للبحث والتأمل ومن ثم القيام بدور المرشد والموجه والمحاضر داخل اروقة المؤسسة التعليمية التي يديرها.. في الجانب الاخر, هناك من علماء الادارة والتربية من يعتقد ان ثقافة المدرسة يمكن تعديلها من خلال اشاعة المحبة والاحترام بين المعلمين وذلك يتم من خلال فرضية اذكاء مشاعر الحب والصداقة والتعاون بين اعضاء التدريس. وتعتبر هذه الفرضية العنصر الاكثر اسهاما في تحريك عملية التغيير ودفعها الى الامام بجهود ذاتية محضة وباقل التكاليف.وفي هذا الاطار يؤكد بارث 1990 و ورن 1981 ان اشاعة المشاعر الحميمية بين المعلمين يمكن تحقيقها من خلال اربع سلوكيات:1- تشجيع انخراط المعلمين بين الحين والاخر في الحديث عن الممارسات التدريسية بشكل دقيق ومنطقي.2-تعويد المعلمين على ملاحظة بعضهم البعض وكتابة مرئياتهم حول الجوانب الايجابية ولا باس من النقد الايجابي بحدود ومناقشتها لاحقا.3- تشجيع انخراط المعلمين في عمل جماعي لمناقشة المنهج وطرق التدريس والتحضير والتصميم والبحث والتقييم.4- تشجع المعلمين على التعلم من خبرات بعضهم البعض في الامور والقضايا
المتعلقة بالتدريس والتعلم والقيادة.. يؤكد بارث ( 1990) على ان نتائج تفعيل هذه الانشطة ستؤدي الى:1-اثارة المعلم وتحفيزه على تطوير قدراته وانضباطه داخل الفصل المدرسي. 2-تساهم هذه النشاطات في دعم معنويات المعلمين وفي تعزيز الثقة المتبادلة بينهم3-تصبح القرارات وما يصاحبها من تطبيق سهلة التنفيذ على اعتبار ان توطيد العلاقات الحميمة بين اعضاء هيئة التدريس من شأنها اذابة الخلافات واضفاء طابع المجاملة.4-خلق بيئة تعليمية تنافسية ضرورية لتعزيز سلوكيات البحث عن المعلومة, هذه البيئة ستعمل على توجيه السلوك الانساني الى الاستغراق في البحث والاطلاع وفي ذات الوقت ستنتشلهم من دائرة الهموم التدريسية الروتينية وما يصاحبها من احاديث النميمة وما تثيرها من حساسيات وخلافات تستهلك جل تفكيرهم.5-ينعكس هذا الاداء الجماعي على سلوكيات التلاميذ الذين سيتقمصون هذه الادوار مما سيرفع من تحصيلهم العلمي والسلوكي..ثم ان علينا ايضا ان ندرك ان الثقافة المدرسية هي في واقع الامر مرتبطة بشكل مباشر بثقافة المحيط الخارجي , وهذا ما يؤكده كل من روسمن, كاربيت, وفيرستون 1988 و ويلش 1989 وهما يؤمنان بانه طالما ان الهدف هو تطوير مخرجات المدرسة فان التركيز يجب ان يكون على القيم والايمانيات والمعايير المجتمعية لكل من المدرسة والبيئة. ولأن العالم اصبح متقارب جدا بفضل المنجز الحضاري المتمثل في ثورة تقنية المعلومات التي اضافت الانترنت والفضائيات المرئية بعدا جديدا ومثيرا ومؤثرا في تشكيل وعي ثقافي مجتمعي جديد, فانه وفي هذه الاجواء المعرفية والمعلوماتية المنفتحة فلا مناص من النظر لواقعنا السلوكي والمعرفي من منظار كوني شمولي بقصد معالجة وتحييد او توجيه افرازات الوعي المنبثق الذي قد يثور على القيم والمبادىء المجتمعية الاسلامية الاصيلة.
نموذج فولن لنجاح مبادرة التغيير
نموذج ميشال فولن (1979) الخاص بمبادرة التغيير او الاصلاح الكبير او الجذري, والذي اسماه نموذج "جيوب النجاح" الذي يرى ان التغيير الجذري او الكبير في المنهج التعليمي والذي قد يفشل في حال اعتمادة بشكل ارتجالي, نظرا للمقاومة المجتمعية التي تتخوف من مألات هذا التغيير , مثل, ادخال مادة التربية الرياضية للبنات والتي في الغالب تجد رفضا مجتمعيا لأسبابا ثقافية. ولكي تسير عملية الاصلاح او التغيير بشكل انسيابي وبدون معارضات, فان فولن يقترح ان يتم بناء ما يسميه "جيوب النجاح" اي ان تقوم وزارة التعليم ببناء مدرسة نموذجية في كل مدينة ومحافظة وفق المواصفات والقيم الجديدة التي ترجوا تطبيقها في المدارس
على المدى المنظور. هنا يشير الى ان الناس وبعد ان يطمئنوا الى ان هذا الاجراء او المنهج الجديد داخل هذه المدارس النموذحية لم يؤثر سلبا على وتيرة التحصيل الاكاديمي والسلوكي والمعرفي, وان ايجابيات كثيرة انعكست على اداء الطالبات نتيجة ادخال هذا المقرر الجديد. هنا يؤكد فولن, ان المجتمع المحيط سوف يبدأ في المطالبة بالتغيير بدل رفضة, والسبب يعود الى اتضاح الرؤية لدى الطيف المعارض, لأن التغيير اصبح متجسدا امامه وان نتائجه كانت ايجابية ومريحة ولا تدعو للقلق.
الخلاصة:
ان عملية التغيير لايمكن ان تتم من خلال اجراء تعديلات في المقررات الدراسية او تغييرات شكلية تتعلق بمحتوى المنهج مالم يواكب ذلك تغييرا منهجيا متدرجا ومبسطا يبدأ يتغيير خارطة المعلم الذهنية بحيث يتفاعل مع محيطه بروح تسامحية عقلانية, وينتهي بالمنهج الذي يجب ان يطور بشكل تدريجي على ان يتضمن مقررات تلائم مستلزمات العصر وتساير ايقاع الحياة, وان تكون هناك ارادة قيادية تعليمية عليا ترعى هذا التوجه وتعلن بشفافية ووضوح اهمية المضى قدما في تحقيقه..
د.سالم موسى القحطاني
2015
جامعة الملك خالد, السعودية