الابداع هو الجديد والمفيد,حسب جويس ويكوف, ويفسر الابداع على انه العمل الذي نتفاعل معه بشكل مختلف ومتميز, والمبدع هو من يستطيع ان يبتكر اشياء هي في حقيقتها مألوفة لكنه يحولها الى جماليات مبهرة عن طريق ربطها بصور لغوية او مهارية او فنية مختلفة وجديدة لم يسبقه احد اليها.
بينما يرى عالم السلوك سكنر ان الافراد المبدعين يتميزون بقدرتهم على توليد الطفرات, والطفرات لديه هي التحول الهام في الافكار او في اي عمل مبهر.
في علوم الكتاب الكلاسيكي والقيم الإنسانية ، (هاربر و رو. 1956) يوضحان أن النشاط الإبداعي للعالم اوالفنان والشاعر هي نفسها. فالإبداع هو محاولة لاكتشاف "الشبه الخفي" في الكون. ..إنه البحث عن تحقيق الذات والالحاح في طلب الاعتراف بتفوقها.
والكثير من الكتاب والفنانين والادباء والشعراء يصفون الابداع بانه شيء ما خارجي ومنفصل عن الجسد,, ويؤمنون بان مصادر الالهام موجودة خارج الشخص,,يوصف المؤلف جوسيف هيلر تجاربه بقوله, "لا افهم كيف تتم عملية التخيل على الرغم انني اعلم انني واقع بقوة تحت رحمتها, اشعر بان هذه الافكار تطوف في الفضاء من حولي ومن ثم تختطفني واستقر عليها, ان الافكار تأتي الي ولا انتجها بارادتي
وفي المقابل ،نجد ان سكوت ويت (1983) وهو محلل اقتصادي, يؤمن أن الأفكار الجديدة ليست ابدا بدون اصل او مصدر اساسي, وانها في الحقيقة اعادة افكار قيلت من قبل, لكن تم توليفها وتكييفها واخراجها بلغة مختلفة, ويشير الى ان المع العلماء ورجال الاعمال والفنانين لم يكونوا الا مجرد مقلدين مبدعين ,لان افكارهم لم تكن الا شكلا مقلدا لانتاج وصيغ وانظمة الاخرين.
"تنمية الطفل" للمؤلف جوزيف شيلتون بيرس يصف الإبداع بأنه "الانتقال من المعلوم إلى المجهول". وان الثقافة تمارس قوة سلبية على الإبداع, وانه لولا الابداع لما وجدت الثقافة اصلا.
دونالد ايب وهو واحد من اهم منظري المواضيع المتعلقة بالدماغ البشري, يؤمن بان كل كائن بشري لديه نوع من الابداع, وان الابداع لم يكن ابدا حكرا على المتميزين. ويتفق مع عالم النفس اشهير ابراهام ماسلو الذي يعتقد ان "تحقيق الدات" احتياج بشري ضروري للتعبير عن ما نملك من قدرات ومواهب فريدة لكي نصبح او نحقق الانجاز الذي نستحقه, وان تحقيق الذات يعتبر المحرك الذي يقودنا لانجاز ما يمكن تحقيقه عبر قدراتنا وامكاناتنا. ويعتقد ان كل فرد لديه قدرات خاصة وانه لكي نساعده في تنمية وتطوير تلك القدرات فاننا يجب ان نهيء البيئة التعليمية المناسبة, بمعنى ان تهيء الادوات التعليمية الكفيلة بصقل مواهب وقدرات الافراد كلا حسب ميوله وماذا يريد ان يكون مستقبلا, فالرسام يجب ان نوجهه للرسم والذي لديه ميولا في الرياضيات يجب ان نمنحه مساحة اكبر في تعلم الرياضيات وهكذا مع باقي المهارات او القدرات.
وقد حدد ماسلو 15 صفة للافراد الذين استطاعوا تحقيق ذواتهم, وشملت هذه الصفات ذات القيم العالية: قبول الذات، العفوية، والاستقلال، والتسامح ، والإيثار، والأخلاق العالية، والقدرة على حب ومساعدة الاخرين دون تمييز, والتواضع ويتمتعون بحس فكاهي رائع.
موريس بيرمان (1989) قام بتكييف نظرية فرويد وناقش الكيفية التي تقوض في الطفل الصغير قدراته الابداعية. ووجد ان ذلك يتم من خلال ثلاثة معوقات:
النوع الأول: يحدث عندما يتم عرقلة استكشاف الطفل الحسية , يتم ذلك من خلال قمع سلوكه الفضولي بحيث يتدنى ميوله في البحث والمشاركة لاكتشاف مايدور حوله.
النوع الثاني يأتي نتيجة للاضطرابات النفسية, فبينما ابداع الطفل ببقى مستمرا الا ان معاناة الطفل نتيجة اضطراباته النفسية والعصبية تعمل على كبح قدراته الابداعية
النوع الثالث: يختفي الابداع لدى الطفل نتيجة الصدمة العاطفية الناتجة عن القمع والجزر او التوبيخ والحرمان, ورغم ذلك فان الابداع يظل موجدا لدى الطفل وحتما قد يستطيع ان يعيد قدراته الابداعية اذا ما وجد البيئة المحفزة والداعمة ماديا ومعنويا.
ويعتقد ان نموذج فرويد حول فهم طبيعة الابداع لم تكن ذا فائدة ويرجع ذلك الى ان فرويد اجرى تجاربه مع الاطفال الغير عاديين. والواقع ان عددا من الباحثين وجدوا ان المبدعين يميلون للاكتئاب والانطواء بخلاف الاشخاص العاديين, وانهم عرضة لتعاطي الكحول
( (فيرغسون، 1990، ص 18
هل عدم الاستقرار العاطفي يولد الإبداع , ام ان الإبداع قد يؤدي الى عددم الاستقرار العاطفي، ام ان هناك علاقة تنطوي على متغيرات مخفية وغير مفهومة حتى الان. والاجابة الى الان لم تحدد بشكل علمي
جوسيف بيس يؤمن بان "المثاقفة" اي قبول ثقافة الاخر والاستفادة منها, تكون من بين الاسباب التي قد تساعدنا في تنمية وتطوير قدراتنا الابداعية. لكنه يستدرك بالقول: ان ثقافتنا الخاصة تجعل من غير المحتمل ان نعير اهمتاما بما يخالف حدود ثقافتنا السائدة.
ويعتقد بيرس أن الإبداع مرتبط بما يشبه نشوة الحالة التنويمية. وهي القدرة على الدخول في حالة غشية, وهذه الحالة تظهر في حوالي السابعة من العمر و في جميع الثقافات، وفي الثقافات الغربية، فإنه يختفي خلال مرحلة المراهقة المبكرة. وانه فقط 20 ٪ من البالغين يحتفظون بقدرتهم على الدخول مرحلة النشوة العميقة.
وبيرس يأخذ رأيا مخالفا تماما لبياجيه, فبياجيه ناقش الطفل في مقتبل عمر المراهقة ووصف انه يخضع في سلوكه وتفكيره لاالية "التكيف مع الواقع" كمرحلة اخيرة من "التفكير السحري, وهذه حسب بياجيه تعتبر بداية النضج الحقيقي, بينما بيرس ناقش فكرة أن "التكيف مع الواقع" لبداية المراهقة هي علامات تشير الى بداية فقدان القدرة الإبداعية. ويرى ان الطفل في بداية التاسعة او العاشرة من العمر، يبدأ في اعتماد نوعا من المنطق الثقافي الذي يحدد واقعه الإدراكي والحسي. وفي عمر الرابعة عشرة يكون قد استوعب الواقع الثقافي, وان الأفكار التي تقع خارج حدود القبول الثقافي تصبح عسيرة وربما مستحيلة. ويرى ان نظرتة للعالم تصبح المحرر لكل تصوراته الداخلية. بيرس ايضا يرى ان "التثاقف" قد يفسد الابداع لكنه لا يدمره. (بيرس، 1974، ص 197)
د. سالم موسى القحطاني 2016
جامعة الملك خالد