أتى العيد فازيّنت بمقدمهِ الأرض، وتباشرت بهِ القلوب، وعُمّرت لأجله الموائد، وأُحييت الليالي التي قلّت معها سجدات الأسحار، وتباطأت الخطى إلى المساجد، وتجمدت مؤشرات المصاحف عند سورة الناس، واستقبل كل امرئٍ حياته وعادت الغفلةُ إلى مجاريها .. ليطرق هذا السؤال كل قلبٍ حيّ: وماذا بعد رمضان؟


•لعلك أيّها القارئ أدركت أن صيام ثلاثين يومًا متتالية فضلًا عن ثلاثة أيامٍ من كل شهر أو اثنينِ وخميس ليست بتلك الصعوبة التي تجعلك تهجرها طيلة العام!

•تبيّن لك أن قراءة جزء من القرآن يوميًا لا يقتطع من وقتك سوى الفُتات! وأنه من الخذلان أن يُغادرك الشهر تل والآخر وليس لك فيه أدنى ختمة.

•علِمت يقينًا أن ركعة أو أكثر تُمضيها بعد العشاء أو في جوف الليل الآخر أيسر بكثير من أن تفوّت حظك منها، وتنام مُخلّفًا وراءك هذه الأجور العظام.

•شعُرت بحلاوة الذكر؛ فحرصت على الإكثار منه والإتيانِ بجوامعهِ اغتنامًا لكل دقيقة، ألا يسرّك أن تلقى ربك على هذه الحال؟

•بذلت أنفس ما في يديك تسارعًا في أوجه الخير كافة رغبةً فيما عند الله، أيرضيكَ بعد ذا النكوصَ وقد ألِفت الطريق؟

•أيقنت أن لا أخف من أن يحمل المرءُ منّا قلبًا سليمًا على إخوانه، يُغضي الطرف، ويعفو عن الزلل، ويُبادر الإحسان، ويُقدّم حسن الظن، أفتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟

•وأظنك تلمّست أثر قرب الأهل وحكمة الله البالغة في الأمر بوصلهم ولو بأبسط سؤالٍ أو زيارة، فمَ يُضيرك أن تُسبل الوصال فضفاضًا مدى العمر؟

•لسانك الذي عزَّ عليك؛ فحفظته عن كل لغو، لأنتَ أحوج  أن تحفظه أبدًا خشيةَ أن تُكبّ بهِ في نار جهنّم.

«وهل يَكُبُّ الناس في النار على وجوهِهِم أو على مَناخرِهِم إلّا حصائدُ ألسنتهم؟»

•جوارحك التي حفظتها عن الآثام، وشهواتك التي كبحت جماحها، ونازعت نفسك فيها خوفًا من أن تغادر صُحف العتق اسمك، صدقني ستكون أخوفَ منها إن أتيتَ بها يوم القيامة!

فهلّا توبة صادقةً، وجهادًا مُستمرًّا حتى يوافيك الأجل؟

•الربُّ الذي كنت تسابق لأجله اللحظات قربًا وابتهالًا، ومرّغت جبينك في بساط عبوديته شهرًا كاملًا تحذر عذابه، وترجو ثوابه، وتأنس بالدعاء بين يديه، يراك ويسمعك ويشهد حالك ما بقيَت فيك الأنفاس، أفترضى أن يستبق القومُ إليه وأعمالك ترتقب معراجها كل رمضانٍ فحسب!


وماذا عليك لو ما بُلّغت رمضان القادم وتخطّفتك يدُ المنون أن تتساءل:

كم بقيَ لي من أعمال رمضان لتمحو عني إسراف العام كله؟ النصف؟ الثلث؟ الربع؟ أم فنيَت كلها وزدتَ عليها أوزارًا فوق أوزار؟


أما آن أن نعقد عزمًا صادقًا بأن نجعل أيامنا كلها رمضانية، وقُرباتنا ربّانية، أن ندرك قيمة اليوم الذي نُمهله هنا؛ فنُسرع ما استطعنا ونقدّم لأنفسنا خيرًا نلقاهُ يوم الحسابِ؛ فيكونُ شعار أحدنا: 

{واعبُد رَبَّكَ حتّى يأتِيَكَ اليَقين}.


مريم أحمد طعيمة

١٣/شوال/٤٢هـ