من وحي خيمة السفير

                                            خلف سرحان القرشي

                                        ______________

أحسن صنعًا معالي سفيرنا في لبنان الأستاذ وليد بخاري عندما استقبل في خيمة عربيّةٍ الوفود اللبنانية المعتذرة من تصريحات وزير خارجيتهم السابق المشينة التي أساء فيها للسعودية حكومةً وشعبًا وعيرنا بـــــ (البدو)، بعد أن لم يجد _والحمد لله_ عارًا يعير به هذا الشعب الأبي الأصيل، فعيرنا بما يسعدنا ويشرفنا وبما نحن به نفخر ونفاخر.

وذكرني في هذا بأبيات الخليفة العباسي المستنجد بالله الشهيرة التي منها: 

"عيّرتني بالشيب وهو وقارٌ           ليتها عيَّرت بما هو عارٌ

أن تكن شابت الذوائب مني          فالليالي تزيِّنها الأقمارُ"

الخيمة ارتبطت بالبدوي ارتباط السوار  بالمعصم، وهي _كما تقول موسوعة ويكيبيديا: "رمز من رموز التراث الذي ميَّز البدو الرحل وسكان الصحراء وحدَّد خصوصيتهم، حيث كانت بيتهم الثابت والمتنقل حسب الحاجة والظروف التي يحددها المرعى والمشرب والأمن، كما تمثل الخيمة تجسيدًا للعلاقات الاجتماعية والروابط الأسريَّة، فخيمة الشخص تعني أسرته إذ يقال: "تخيَّم الشخص" أي: تزوج وصار ربُّ بيتٍ."

بيئة البدوي الصحراوية فرضت عليه الخيمة سكنًا قابلًا للحلِّ والترحال.

أحسب أن معالي الوزير أراد من لفتته المعبرة هذه أن يقول للقاصي والداني: "نعم ... نحن بدو آبناء بدو ... ليس عندنا أسهل من الحلِّ والترحال".
       " تأبى الرجولة أن تدنس سيفها

قد يغلب المقدام ساعة يغلب

في الفجر تحتضن القفار رواحلي

والحرُّ حين يرى الملالة يهرب".

 خيمة الوزير بدت للزائرين والناظرين حلَّةً قشيبةً مزدانةً بدلال القهوة وموقدٍ للنار وبعض الحطب تعبيرًا عن كرم البدوي الفياض، كيف لا وهو حفيد حاتم الطائي، وسليل معن بن زائدة:

"أولئك آبائي فجئني بمثلهم
          إذا جمعتنا يا جرير المجامع"

وكرم البدوي شمل أشقاءنا اللبنانيين منذ عقود، غير أن البدوي لا يمن بكرمه وعطائه على أحدٍ، وذلك لأنَّ عطايا وهدايا ومنح بلادنا لأخوتنا اللبنانيين _المبتلين بقادةٍ فاسدين إلا ما رحم ربي وقليل ماهم_ لن يتبعها أذى، وهذا ديدن قيادتنا وبلادنا وشعبنا في كلِّ عطاء يقدم لأيِّ عربيٍّ أو مسلمٍ أو إنسانٍ على سطح هذه المعمورة.

خيمة السفير زانها مكيِّفٌ عصريٌّ في دلالةٍ بالغةٍ إلى أن هذا البدوي بالرغم من تشبثه بجذوره الراسخة، وهويَّته الأصيلة وتاريخه العريق، ألا إنّه ليس عدوًا للحضارة، والمدنيّة، ولا رافضًا لجودة الحياة، ورفاهيتها.

نحن _معشر البدو_ تمثلنا خير تمثيل مقولة الملك فيصل بن عبد العزيز الشهيرة لوزير خارجية أمريكا هنري كسينجر أيام حرب رمضان 1973، عندما قطع البترول عن أمريكا:

“نحن كنا ولا نزال بدو، وكنا نعيش في الخيام، وغذاؤنا التمر والماء فقط، ونحن مستعدون للعودة إلى ما كنا عليه".

أخيرًا وليس آخرًا، أحسب أن في تصرف سفيرنا شيئًا من دهاء البدو الذين أحالوا صحاريهم القاحلة مراكز حضاريّة يشار لها بالبنان، وصنعوا لحاضرهم ومستقبلهم مجدًا يسجل بمداد من ذهب جنبًا إلى جنبٍ مع ماضيهم العريق الذي شرف باحتضان ورعاية خاتم رسالات السماء، ونشر هديه في أصقاع الأرض.  

                        ___________________