﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران:123].

﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران:123]. إن هذه ذلة عدد تنجبر، لا ذلة صغار تنكسر. وذلة العدد ابتلاء، وذلة الصغار احتواء.

وإن هذا لا يعارضه قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾[المنافقون:8]! ولأن الذلة ظاهرة في عدد، ولأن العزة حقيقة في سند.

وهي ذلة ظاهرة في المجاز، ولأنهم يملكون ما من سببه الذلة، من قلة عدد وعتاد، لكن قريشا يفجأها نصرالله للمؤمنين، فكانت قريش هم الأذلة!

وهذا إعجاز القرآن! إذ كيف كان نصرا وهم أذلة؟! مما يقتضي بحثه بلاغة، ومقتضاه أن مآلكم كان ذلة، لولا نصره لكم!

وجملة ﴿ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾: هذه حال، ولأن وصفا لحالهم، كان ذاك ظاهره من قلة عددهم، لولا أنهم يملكون الزاد التقوى.

﴿ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾: هذه حال، دلالة وصف ملاصق لهم. وهي حال جملة إسمية، دلالة شدة هذه الملاصقة، وثبوتها معا.

﴿ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾:هذه حال، تصدرت بالمسند إليه، ضميرا منفصلا﴿ أَنتُمْ﴾:اهتماما وإثارته معا، ولما كان وصفا ميمونا.

وإن النصر ليعوزه سلطان، والسلطان من مقومات الألوهية، فناسب ذكر( الله) لا الرب! وهذه بلاغة قرآننا! باختيار اللفظ الملائم لمقتضى الحال.

ولئن كانت الذلة للمؤمنين وصفا ثابتا، فإنها لله تعالى نعتا قائما أيضا، ونصره تعالى للمؤمنين، كان نتيجة عزته، وجاء ثمرة خضوع مسلم لربه وذلته أيضا!

والذلة سبب عظيم لتحصيل المرغوب، وسبيل قويم لدفع المرهوب، فكانت وصفا لصيقا لذلك.

﴿َلَقَدْ﴾: حرف تحقيق وتوكيد، وهما لا يلزمان الفعل الماضي! لأنه يفيد التوكيد أصالة. لكنه إمعان القرآن وحسبنا!

﴿ نَصَرَكُمُ  -  وَأَنتُمْ  -  لَعَلَّكُمْ  ﴾ هذا خطاب تعددت أدواته، أفاد تلطفا ربانيا، وحنواً إلهياً، أسبغ على النص قيمة، ولما أظله من وارف المعاني، المضفية عليه إلفا!

﴿ نَصَرَكُمُ  -  لَعَلَّكُمْ ﴾ هذه كاف الخطاب، أفادت جمعا، وحصرا، للمؤمنين، في آن واحد، وكأنما هم مدعوون لشرف الخطاب، وقداسة الكلام! مع الله تعالى رب الأنام.

﴿ نَصَرَكُمُ  -  أَنتُمْ ﴾ هذه مزاوجة بين الضمير المتصل﴿ نَصَرَكُمُ ﴾،  والضمير المنفصل﴿ أَنتُمْ ﴾، أفادت تفننا لغويا، حسَّنَ الكلام وأجاده وأفاده.

﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ هذا إضفاء على النص سكينته، وحين خوطبوا جمعا، وبميم الجمع، التي أفادت تجسيما للمعنى، وكأنما نراهم،  وهام أولاء يُخاطًبُون!

ولماذا لا تكون ذلتهم، ومن باب قوله تعالى ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾[المائدة:54]!؟