صلاة العيد وشعيرة التكبير

إن ربطا نبويا كريما، بين الصيام، وبين الصلاة: دلنا عليه صلاة التراويح، كل ليلة من رمضان، وشأن تتويجه بصلاة العيد جامعة، بيان قيمتيهما معا.

إن فطما لنفس، عن موبقاتها، صياما، وإن صلاة خمس مرات، وقيام ليل، وصلاة عيد، وترانيم قرآن، كان ربيعا للمؤمن، يتنقل فيه من بين زهور إلى زهور أخرى.

﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾[البقرة:185]. جاء تعليل التكبير بعد قوله تعالى  ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ . نيابة أن يسرا أراده مولانا بنا قمن ان نكبره، وأن عسرا لم يرده ربنا سبحانه لنا ،موجب تكبيبرنا وإعظمامنا، وهذه كلية وجب درسها وفقهها أبدا!

﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾[البقرة:185]. وما ظنك بصلاة عيد، وخطبتها، كان عمادهما التكبير، إعلاء لقيمة الألوهية في النفوس، بحيث تكون مقدمة على كل شيء آخر؟!

إن صيحات عباده تعالى بالتكبير، من غروب الثلاثين من رمضان، وإلى صلاة العيد، برهان إشهاد ملائكته تعالى، أن قوما يكبرون ربهم، ومنه يقدمون أمره على كل أمر، ويجتنبون نهيه، كأعظم ما يكون اجتناب، خضوعا لربهم، وذلة لبارئهم، رصيد عزة وأنفة، وحين يجيء وقتها في حياة، كان ملؤها الكد والنصب والتعب!

إن صيحات التكبير، وهي إذ ترتج بها الطرقات والأسواق والمساجد والمنابر، برهان إرغام للشيطان، وليولي وله ضراط، وحين تلبس عباده تعالى بلباس التوقير لربهم، وحين استكبر وولى وأدبر، وحين خلع عن نفسه سلطانا لله خالقه عليه، وقت ان تسربل المؤمنون سربال عبوديتهم لربهم، وحين علموا أن سلطان رب الناس في قلوبهم أكبر.

 كان من إعجاز يوم عيدنا، أن تصطف الملائكة، موكبا مهيبا، لتشهد كل رائح وغاد، لصلاة العيد، حتى أطفال الأمة ونساؤها، إشادة بفعلهم وصنيعهم.

كان مشهد المكبرين، في الأقصى، خزيا ليهود، وهكذا يحفرون لأنفسهم قبور خزيهم، كل مرة، ولو عقلوها ما فعلوها! يوم عيدنا! ولأن تكبيرنا صاعق بهم، ومزلزل أقدامهم، حتى ولوا مدبرين، ومالهم من الله تعالى من عاصم!

تميزت صلاة عيدنا، تضمنها اثنتي عشرة تكبيرة، إحصاءً، عَدَاْ تكبيرات الانتقال، برهان فعل التكبير في القلوب أكثر، ودلالة اختيار رباني أقوم.

إننا وإذ لا نقف كثيرا عند إعجاز العدد اثنتي عشرة تكبيرة، في صلاة العيد؛ كيما لا ينسينا إعجازا أكبر، هو اختيار التكبير عما عداه، ومن صنوف ذكر عز حصرها! تعظيما لمقام ربنا.

كان التكبير سرا في صلاتنا، عَدَاْ إمامنا، إلا تكبيرات العيد، فإنها جهرا لكلٍ، حفاوة بعيدنا، ومباهاة بديننا، وتعظيما لربنا، أن ألهمنا أنه أكبر.

إن إعجازا بين ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ﴾[ابقرة:203]. وأنه برهان عموم ذكر في الحج، وبين﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ ختام صيامنا، برهان تخصيص للتكبير فيه!

كانت صلاة العيدين، بعد صيام وحج، إفرادا لأهمية ركنين في ديننا، تضمنا كثرة كاثرة من شعائره تعالى، عما سواهما، فكان التكبير إشعارا لذلكم فضل الله تعالى.

عد العيدان إشعار فرح بالمعايدات، ولما تميزت بهما فريضتا الصيام والحج، عما عداهما بهجة وسرورا، أن أتم الله تعالى بهما النعمة، وأقام بهما الحجة، وأسبغ بهما المنة.

إنه إذا كان الناس يعايدون كل عام مرتين، إثر صيامهم، وبعد حجهم، فإنهم يجددون إيمانهم، كل يوم خمس مرات في صلاتهم، وكل أسبوع يوم جمعتهم، حفاوة بإسلامهم، واعتزازا بشعائر ربهم.

كان ملفتا تكبير امرأة عجوز وراء تكبير الإمام، إلا أن تكبيرها كان أشد تأثيرا، وكأنها تقارع إمامنا تكبيرها! وحين أعظمت ربها، فكان برهانها.

﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ وحكمة التكبير من ههنا؛ ولأنه تعالى هدانا لصيام رمضان وقيامه، ولأنه داع عظيم لخلق الشكر لله تعالى العلي الأعلى، أن علمنا ديننا، وأن هدانا سبلنا، وأنه لم يتركنا هملا؛ لنخبط خبط عشواء، إلى هذا الجدار مرة! أو إلى هذا الركن كرة أخرى، فلا نكاد حينها لنعرف معروفا، أو لننكر منكرا!

إذا كان تكبيره تعالى، حين هدانا لصيام رمضان، وقيامه، فكان داعيا قرآنيا، أن يكون هديا، وأن يضير سمتا، وحين يوفق الله تعالى لعمل بر آخر، وأخذا بعموم النص، ذلك وأنه يمكن حيال ذلك أن يكون التكبير  سبيلا وحين يمن علينا ربنا، قياما بعمل آخر، كان عبادة لله تعالى مولانا الحق المبين!

﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ تضمن فعل التكبير مفعوله(الله)، وغاب عن فعل الشكر، إطلاقا لعنانه خفاقا، برهان ألا حد له، وبحيث يكون الشكر نهجنا للناس، وان يكون الشكر عملنا مع رب الناس أيضا.

﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ وهكذا تتفاعل منظومات التكبير والهدى والشكر! لتعمل عملها صنعا لكائن! وصفه أنه مخبت قانت سائح لربه راكع وساجد أبدا!