يا رب ، خلقتنا من طين،  كلُّنا خلقتنا من طين : من يدعونه ملِكاً خلقته من طين و من يدعونه عبدا خلقته من طين ... و كلنا يا رب ،  الى الطين صائرون .

و لكن الطين يا رب نسي أصله و غفل الطين يا ربّ عن مصيره ، فرفع الطين رأسه تكبرا ، و مشى تفاخُراً ، و جعل الطينُ من الطينِ طبقات : فهناك الطبقة العليا ، اولاد الحسب و النسب ، و هناك الطبقة الوسطى،  الذين يشكلون ضابط المجتمع كما يريد اسيادُهم ، و هناك الطبقة الدنيا ، المطحونة التي بالكاد تجد قوتَ يومِها ،التي تعيش "تحت خط البشر "  ..

هكذا أراد الطين،  نسي الطينُ أصلَه ، غفل الطين عن مصيره ، قسّم الطين الناس الى مراتب و مستويات ، و لفق أساطيرا ، و ألف حججا ، كي يرسخ التفاوت بين الناس ، كي يرسخ التكبر و الاستعلاء بين الناس ، كي يبقى الذين فوق فوقاً ،و يبقي الذين تحت تحتاً ... !!! .


و العجيب يا رب ، أن المحكومين المغلوبين ساروا على نهج الغالبين الظالمين ، فأكملوا التقسيم و التراتبية،  و صرنا الى مدني و فلاح ، و قروي و مخيمجي ، و سائل و مسؤول،  و غني و فقير .... !!! . و صرنا اسلاميين و علمانييين ، و رجالا و نساء ... و و و .... 


و العجيب يا رب ،  ان الأخلاق و الأحكام صارت توزع حسب الفئة و الطبقة ، فإذا " سرق الغني تركوه ، و إذا سرق الفقير قطعوا يده" ،و إذا باع المسؤول البلد قالوا سياسة واقعية ، و اذا باع الفقير أرضه قالوا باع شرفه ، و إذا عربد ابن الغني غنوا له ، و إذا زل ابن الفقير قالوا "تربية شوارع" ، و إذا رقصت بنت الذوات فرحوا و صفقوا لها ، و إذا خلعت بنت الفقير منديلها قالوا فجرت ... !!! .


يا رب ،ما بال الطين نسي نفسه ؟؟ !!

ما بال الطين غفل عن مصيره ؟؟ !!


يا رب ،الا يعلم الطين ان الغني سيدفن كما الفقير ؟ الا يعلم انه قد يدفن بجانب الفقير ؟!

سيدفن الملك و المملوك ، و السائل و المسؤول ،و الرجل و المراة ،و ابن الذوات و ابناء العبيد ، كلهم سيدفنون ،و ربما يختلط التراب بالتراب تحت الأرض ، فيمتزج طين الملوك بطين المملوك ، و ربما يأتي فقير يجمع التراب المختلط و يزرع فيه نعناعا او ميرامية ، فيشرب من تراب عظام الملك الذي امتزج بعظام العبد ... فمالكم كيف تحكمون ؟؟؟!!! .

يا رب،  كلنا من طين ،و كلنا الى الطين صائرون ،و كلنا متساوون ،  خلقتنا متساويين ... فما الذي فعلته آلهة الأرض بترتيبات إله السماء و الأرض ؟؟!! .

لقد ساويت و ميزوا ، لقد عدلت و ظلموا ، لقد رحمت و قسوا ، لقد غفرت و أجرموا  .... لقد نصبوا أنفسهم آلهة من دونك ،و هذا لعمري هو الكفر ... فليس الكفر انتماء بقدر ما هو موقف عقلي و سلوكي و عاطفي ... 

فياويح أهل الأرض ما الذي فعلوه ؟!!! .


#خواطري_علاء_هلال